"تناول صفقة نتنياهو ترامب في الإعلام العربي والدولي",,,, بقلم/ د. خالد أبو قوطة

خالد ابو قوطة.jpg
خالد ابو قوطة.jpg

غزة/ المشرق نيوز

شكل الاعلام على مدار التاريخ أحد أهم الأسلحة والأدوات المستخدمة في كل تطور سياسي أو عسكري حول العالم، وهو ما يستدعي النظر والتدقيق في اعلامنا الفلسطيني والعربي في ظل التطورات السياسية التي تعصف بالمنطقة على ضوء المخططات الامريكية الاسرائيلية المسماة بصفقة القرن، والتقارب المعلن بين دولة الاحتلال وعدد من الدول العربية وخاصة الخليجية التي تتحكم بمجموعات اعلامية ضخمة تروج لها.

فلم يكن إعلان ترامب أن القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي والشروع في نقل سفارة بلاده إليها، سلوكاً ارتجالياً أو خروجاً عن مسار الإدارة الأمريكية رغم كل ما يقال عن تصرفات ترامب الرعناء والحمقاء، بل كان هذا الإعلان خطوة في مسار التسوية التي تخطط لها هذه الإدارة بغرض تصفية القضية الفلسطينية ودمج الكيان الإسرائيلي في التحالفات الإقليمية العربية لإعادة صياغة المنطقة.

لقد عمدت الإدارة الأمريكية خلال الأشهر الماضية وخاصة بعد إعلان ترامب إلى تسريب تفاصيل خطتها بما يعرف إعلامياً ببالونات الاختبار لقياس مدى إمكانية أن تأخذ زخماً وقوة لطرحها على الساحة، ليكون الهدف منها إيجاد حراكاً وجدلاً وواقعاً سياسياً حول ما ينوي طرحه دون أن تعلن عن ماهية خطتها رسمياً، ولتكون ردود الفعل جزءاً من تحديد معالم هذه الصفقة التي ليس بالضرورة أن تكون تفاصيلها الفعلية كما سربت إعلامياً، فلقد عمدت هذه الإدارة إلى الغموض بشكل مقصود.

فرغم انه لا يوجد اعلان رسمي عن تفاصيل هذه الصفقة الا ان تسميتها بصفقة "القرن" كانت بمبادرة من رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو لإكساب اهمية كبيرة على هذه الصفقة واعتبارها الانجاز السياسي الاعظم للولايات المتحدة الاميركية في الشرق الاوسط وفي عهد الرئيس المثير للجدل دونالد ترامب، وبموافقة عربية ضمنية على هذه الاملاءات الاسرائيلية في ظل ضعف عربي واضح.

ومن بعد نتنياهو، استخدم بعض الرؤساء والملوك العرب مصطلح "صفقة القرن" حتى بات هذا المصطلح رائجا في الاعلام العربي ويتم تداوله دون توقف عند مدلولاته وعندما يتبادر عن سماعه او قراءته الى ذهن المتلقي العربي، وكذلك في الإعلام الأمريكي والأجنبي تم استخدامه حتى أصبح رائجاً.

أما في مؤتمر البحرين فقد أطلق مستشار ترامب وصهره كوشنير الجانب الاقتصادي من "صفقة القرن" التي قدمها كـ "فرصة القرن" لحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. فنجد أن مسمى صفقة القرن تم إستخدامه في الإعلام الإسرائيلي ثم الإعلام العربي وأخيراً الإعلام الأجنبي.

وأنا أفضل تسميتها بمصطلح صفقة نتنياهو ترامب بديلا عن صفقة القرن لأنها في الواقع تعبر عن طريقة فهم الرئيس الاميركي للسياسة على أنها صفقات ربح تجارية وخاصة وأنه يريد فرضها على انظمة عربية لا تستطيع معارضته وبالتالي يخرج الصفقة من معنى الاتفاق لأنه يريدها بقبول عربي وتكون مربحة للاسرائليين.

ونأمل من السياسيين والاعلاميين والمثقفين العرب ان يعيدوا النظر في استخدام المصطلح المضلل واستبداله بمصطلح صفقة نتنياهو ترامب تعبيرا عن الجهود الصادقة في دعم حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم وفضحا لما يريده الاعلام العبري وبعض الأجنبي والعربي من تظليل وترويج لهذه الصفقة المشؤومة.

وحتى نستطيع تحيل التغطية الإعلامية لهذه الصفقة كان يجب علينا تقسيمها زمنيا وفقا لسلسلة التحركات السياسية التي اتخذها ترامب والإدارة الأمريكية التي من شأنها أن تمهد لها، وفيما يلي بعض التحركات التي اتخذها ترامب والتي غيرت تماما ملامح السياسة الأمريكية القائمة منذ فترة طويلة وأترك لكم تذكر التغطية الإعلامية الفلسطينية والأجنبية المصاحبة لها وفق نظرية ترتيب الأولويات الشهيرة في مجال الإعلام.

فبراير/ 2017

ترامب يرفض عرض رؤية واضحة لما يقترحه من حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومنذ ذلك الحين امتنع فريقه للشرق الأوسط مرارا عن تأييد "حل الدولتين" وهو المعادلة الدولية القائمة منذ فترة طويلة والتي تستند إلى وجود دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة وتعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل.

6 ديسمبر/ 2017

ترامب يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ليغير بذلك السياسة والممارسات الأمريكية المستمرة منذ عقود. وأثار هذا القرار غضب الفلسطينيين، الذي يطالبون بالشطر الشرقي من المدينة، الذي احتلته إسرائيل في حرب عام 1967، عاصمة لدولتهم في المستقبل. كما أثار استياء العالم العربي وحلفاء الولايات المتحدة في الغرب على حد سواء.

ترامب يعلن أيضا أن السفارة الأمريكية في إسرائيل ستنتقل من تل أبيب إلى القدس، المدينة المقدسة بالنسبة لليهود والمسلمين والمسيحيين والتي يعد وضعها من أكثر القضايا الشائكة في الصراع بالشرق الأوسط، فأوقفت الرئاسة الفلسطينية اتصالاتها السياسية مع الإدارة الأميركية.

وهنا كانت تغطية إعلامية فلسطينية وعربية رائعة بل وانتقلت من دور نقل المعلومات والتأثير المعرفي للجمهور الفلسطيني والعربي إلى التأثير في الاتجاهات وتحديداً زيادة الشعور بالخوف على القدس والقضية الفلسطينية إلى التأثير السلوكي المتمثل في المشاركة في المظاهرات والفعاليات الجماهيرية والكتابة والمشاركة في الحملات الإعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها "وهذه وفق دراسات ميدانية قام بها الباحث في دراسات سابقة".

يناير/ 2018

إدارة ترامب تبدأ سلسلة من خفض تمويل وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التابعة للأمم المتحدة بحجب 65 مليون دولار عن الوكالة التي تقدم خدمات لنحو خمسة ملايين لاجئ فلسطيني في الأردن ولبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين.

وبعد سبعة أشهر قطعت واشنطن كل التمويل للوكالة، وقيمته 300 مليون دولار سنويا، كما قلصت مساعدات قيمتها مئات الملايين من الدولارات تقدم للفلسطينيين عبر وكالات إنسانية وتنموية أخرى ومستشفيات.

واقترحت الولايات المتحدة، التي كانت أكبر مانح للأونروا، تفكيك المنظمة وأن تتولى الدول العربية التي تستضيف لاجئين فلسطينيين تقديم تلك الخدمات.

14 مايو/ 2018

فتحت السفارة الأمريكية في إسرائيل أبوابها في القدس.

10 سبتمبر/ 2018

إدارة ترامب تعلن أنها ستغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن لأنه سعى لاتخاذ إجراءات ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية.

4 مارس/ 2019

القنصلية الأمريكية في القدس، وهي قناة واشنطن الدبلوماسية مع الفلسطينيين، تندمج مع السفارة الأمريكية الجديدة في القدس. وكانت القنصلية ترفع تقاريرها مباشرة إلى واشنطن لكن "وحدة الشؤون الفلسطينية" الجديدة ترفع تقاريرها داخل السفارة إلى السفير الأمريكي ديفيد فريدمان الذي عينه ترامب.

25 مارس/ 2019

ترامب يعلن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، التي احتلتها إسرائيل من سوريا في حرب عام 1967 وضمتها في وقت لاحق في تحرك لم يلق اعترافا دوليا. الفلسطينيون يعتبرون تحرك ترامب خطوة أخرى مؤيدة لإسرائيل.

19 مايو/ 2019

البيت الأبيض يعلن أنه سيقيم ورشة عمل تحت عنوان "السلام من أجل الازدهار" في البحرين يومي 25 و26 يونيو حزيران لتشجيع الاستثمار في الأراضي الفلسطينية باعتبارها الشق الأول من "صفقة القرن" الخاصة بترامب. الفلسطينيون يعلنون عدم مشاركتهم.

فريق ترامب الخاص بالشرق الأوسط بقيادة صهره ومستشاره جاريد كوشنير والمبعوث الإقليمي جيسون جرينبلات، يقول إن العناصر السياسية لخطة السلام ستُكشف في وقت لاحق، ربما بعد الانتخابات الإسرائيلية المبكرة الثانية التي من المقرر أن تجرى في سبتمبر/أيلول.

8 يونيو/ 2019

السفير فريدمان يثير التكهنات بأن إدارة ترامب ستقبل تحركا من إسرائيل لضم بعض مستوطنات الضفة الغربية عندما قال إن "إسرائيل لها الحق في الاحتفاظ ببعض الضفة الغربية وليس كلها على الأرجح" في ظروف معينة. وقبل أيام من الانتخابات الإسرائيلية التي أجريت في أبريل/نيسان، تعهد نتانياهو بضم مستوطنات في حالة فوزه.

زعماء فلسطينيون ينددون بتصريحات فريدمان باعتبارها انتهاكا للقانون الدولي.

22 يونيو/ 2019

قبل ورشة عمل البحرين، كشف كوشنير عن تفاصيل الشق الاقتصادي من خطة السلام. وتشمل الخطة إنشاء صندوق استثمار دولي بقيمة 50 مليار دولار لإنعاش الاقتصاد الفلسطيني واقتصادات الدول العربية المجاورة بالإضافة إلى بناء ممر لوسائل النقل يصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة بقيمة خمسة مليارات دولار. على أن يمتد تنفيذها على عشرة أعوام.

لكن الفلسطينيين يقاطعون الورشة، قائلين إنّه لا يمكن الحديث عن الجانب الاقتصادي قبل التطرق إلى الحلول السياسية الممكنة لجوهر النزاع. علما أن الجانب السياسي الذي من المستبعد أن ينصّ على قيام دولة فلسطينية مستقلّة، قد لا يُكشف عنه قبل تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

أما في مؤتمر البحرين فقد قام كوشنير بشطب مبادرة السلام العربية أمام أصحابها، وباطلاع سريع على ما ورد في الوثيقة الصادرة عن البيت الأبيض أثناء إنعقاد المؤتمر فتبين أنه لم ترد كلمة "احتلال" ولا مرة واحدة، ولم ترد كلمة "دولة فلسطينية" ولا مرة، ولا "القدس". كل الحديث عن تحسين، تخفيض، دعم، تحسين وضع اقتصادي. فلا يوجد إشارة لكيان فلسطيني سياسي على الإطلاق ولا بأي شكل من الأشكال.

لذلك فإنه من غير المرجح أن تستجيب أمريكا لردود الفعل الدولية، رغم ما يشاع إعلاميا عن تراجعها عن صفقة القرن، بل ستمضي في خطتها وستسعى لتذليل العقبات في طريقها، ولعل ما يتداول إعلاميا من سعيها لتغيير قيادة السلطة هو مؤشر على أن صفقة القرن لم تُطوَ في الأدراج بل لا زالت مطروحة على الطاولة وتمهد لها الطريق

وهنا يجب على الإعلام الفلسطيني والعربي تناول ذلك عبر الوسائل الإعلامية المحلية والعربية والدولية منها المسموعة والمطبوعة والمرئية والإلكترونية والتركيز على أنه بدون زوال الاحتلال لن يتحقق السلام ولا الازدهار حتى لو نظمت المؤتمرات المختلفة. وأن السلام والازدهار وتحسين الظروف الإنسانية للشعب الفلسطيني يتحقق بإنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وبإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس كما نصت عليه المواثيق الدولية والقرارات المختلفة الصادرة عن الأمم المتحدة، وبإذالة الحواجز الإسرائيلية بين المدن والمحافظات في الضفة الغربية ورفع الحصار عن غزة والسماح بحرية الاتصال والتواصل مع العالم الخارجي. وأن السلام والازدهار وتحسين الظروف الإنسانية للشعب الفلسطيني يتحقق بعودة اللاجئين إلى بيوتهم وقراهم وبالإفراج عن الأسرى والأسيرات الفلسطينيين في سجون الاحتلال والسماح بالتنقل وحرية العبادة في القدس وبيت لحم، والقائمة لا تنتهي.

التوصيات والمقترحات التطبيقية المطلوبة من الإعلام الفلسطيني والعربي لكي يستطيع مواجهة صفقة نتانياهو ترامب:

1- إتمام المصالحة الفلسطينية التي تسير في نفق مظلم، لا تلوح في الأفق نهايته، حتى تتوحد المواقف ونستطيع مواجهة إسرائيل والإدارة الأميركيّة بشكل قوي يخدم القضية الفلسطينية، بل ويجب على الفصائل الفلسطينية تبني موقف منظمة التحرير وموقف السلطة الوطنية الفلسطينية الرافض بشكل واضح وصريح لهذه الصفقة.

2- على السلطة الوطنية والحركات والأحزاب والفصائل الفلسطينية العمل على شرح وجهة النظر الفلسطينية وأسباب رفض هذه الصفقة وتصحيح صورة الفلسطينيين وفق خطاب إعلامي مدروس لمواجهة الخطاب الدعائي الإسرائيلي والأمريكي المنظم الذي يضفي الشرعية على الأفعال الإسرائيلية على أرض الواقع ويبررها عن طريق إنشاء سرد معين يخدم إسرائيل والمصالح الأمريكية بل ويحمل المسؤولية للفلسطينيين بأنهم لا يريدون السلام.

3- على السلطة الوطنية والحركات والأحزاب والفصائل الفلسطينية إيجاد استراتيجية إعلامية فلسطينية موحدة تهدف بشكل أساسي إلى كشف حقيقة صورة الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى إلى الظهور في دور الضحية ويتغنى بالإنسانية من خلال خطابه الدعائي الإسرائيلي باللغة العربية والأجنبية، الاستفادة من أدوات الإعلام الجديد وتفعيل دور السفارات الفلسطينية لإبراز قضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

4- على نقابة الصحفيين الفلسطينيين إنشاء مرصد إعلامي فلسطيني بجميع اللغات وبمصطلحات إعلامية فلسطينية تتوحد فيه إحصائيات ذات علاقة بالقضايا الوطنية الفلسطينية المحورية تتضمن كافة المعلومات التفصيلية، وتوظيف تكنولوجيا الاتصال الحديثة في إبراز وتدويل قضايا الشعب الفلسطيني المحورية.