المصالحة ضحية الاستقطابات الحادة والرهانات الخاطئة -- بقلم: يحيى رباح

المصالحة ضحية الاستقطابات الحادة والرهانات الخاطئة -- بقلم: يحيى رباح
المصالحة ضحية الاستقطابات الحادة والرهانات الخاطئة -- بقلم: يحيى رباح

الاجتماعات الاخيرة التي عقدت في القاهرة بخصوص المصالحة، وآخرها اجتماع لجنة الحقوق والحريات العامة، لم تعد تلقى الاهتمام والمتابعة من قبل الرأي العام الفلسطيني، ولا من منابر الاعلام الفلسطينية، ناهيكم عن الاعلام العربي والأجنبي، لماذا ؟؟؟
السبب ان التفاؤل يقل بالتدريج بإمكانية تحقيق المصالحة في المدى القريب كما كان يأمل الجميع ولذلك فان الكلام عن المصالحة يتكرر بشكل روتيني وباهت وفاقد للملامح والإرادة السياسية، بينما على ارض الواقع فان الامور تذهب الى الاسوأ، ولعل المثال الصارخ على ذلك، ان صورة قطاع غزة لدى الرأي العام المصري الذي تتولى حكومته ادارة ملف المصالحة اصبحت بالفترة الاخيرة صورة بشعة ومشوهة بل ومشيطنة ايضا، ولم نجد من حركة حماس أي جهد حقيقي يبذل لإعادة تصحيح هذه الصورة الظالمة، ولا أي مراجعة للذات !!! وبالتالي فان الكلام عن المصالحة يجري في واد بينما الانقسام وتداعياته وممارساته البشعة تجري في واد اخر.


واعتقد ان الانقسام تحول في العامين الاخيرين الى منحدر اسوأ كثيرا من بداياته، لان مصالح بعض الشرائح في قطاع غزة ارتبطت جذريا ببقاء هذا الانقسام حتى ولو على حساب دمار الاغلبية !!!كما ان الفئات والتيارات المتشبثة بالانقسام اصبحت اكثر تورطا في الاستقطابات الحادة التي تصاعدت في المنطقة خلال العامين الاخيرين، وهي استقطابات عقدت كافة المشاكل المنبثقة من الاحداث الجارية مثل الملف السوري وتعقيداته المحلية المرتبطة اقليميا ودوليا، وكذلك الصعوبات التي تواجه النموذج المصري، فبالإضافة الى العناوين المعروفة على المستوى الامني وخاصة في سيناء والحدود مع قطاع غزة، والوضع الاقتصادي الصعب، صعدت الى السطح سد النهضة !!! وبالتالي اختلال رهانات حماس على الموقف المصري، والتهديدات الموضوعية التي تواجهها حماس في لبنان بسبب موقفها المتورط مع الاخوان المسلمين في سوريا !!! وبالتالي فان الاطراف الاكثر تشددا في حماس يرون الان ان التشبث بالانقسام –أي السيطرة على قطاع غزة احاديا –هو الخيار الوحيد لضيق الفرص والبدائل الاخرى.


وفي ظل هذه الصعوبات التي تواجه المنطقة، فان الاوهام تتزايد، وخاصة حين يعاد طرح المشاريع التي كانت تطرح منذ سنوات، مثل احداث تغيرات واسعة في الجغرافيا السياسية، وهناك من يتوهمون وخاصة في فصائل العمل الاسلامي انهم ربما يصبح لهم موطئ قدم تحت سقف هذه المشاريع سواء في سيناء او غيرها !!!وخاصة ان القوى الاقليمية مثل تركيا وإيران والسعودية وقطر واسرائيل تنفتح امامها موجات كثيرة بان يكون أي تغيير في الجغرافيا السياسية لصالحها !!! وهكذا فان موضوع المصالحة الفلسطينية يغرق وسط هذا الطوفان من الاحداث التي ترسم صورة مذهلة من عدم الاستقرار في المنطقة.
هل يمكن احداث اختراق لصالح المصالحة الفلسطينية في وسط هذه البانوراما السياسية والأمنية القلقة في المنطقة ؟؟؟


اعتقد ان هذا الامر بالغ الصعوبة، ان المعايير التي انطلق منها الاسلام السياسي-وجزء منه حماس –لا علاقة لها على الاطلاق بالمعايير التي تنطلق منها المصالح الوطنية الفلسطينية !!! ولذلك نرى حركة حماس كلما حان تنفيذ الالتزامات التي جرى التوافق عليها، فإنها تفتعل ما يعطيها الفرصة لترحيل زمني جديد، من خلال خلق الذرائع التي لا تنتهي، مرة من خلال طرح نقاط جديدة، او تفسيرات وتأويلات لم تكن مطروحة من قبل !!!او من خلال طرح شروط صعبة او شبه مستحيلة، مثل موضوع او مقولة الرزمة الواحدة لتنفيذ بنود المصالحة وخاصة فيما يتعلق بالانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، حيث وضعها في سلة واحدة وفي توقيت واحد هو نوع من التفجير !!! او تضخيم بعض اعراض المرض الرئيسي وهو الانقسام والتعامل معها كما لو انها قضايا رئيسية، مثل قضايا الاعتقال السياسي، او تصعيد لغة الحديث عن التنسيق الامني، او اعلان حملات مسرحية بشأن التخابر مع العدو...الخ فكل هذه افتعالات لا معنى لها، وهي اشبه بإطلاق دخان كثيف للهروب من استحقاقات المصالحة، بينما الصورة النهائية التي تسعى اليها الاجنحة الاكثر تشددا في حماس هو الحفاظ على وقوع قطاع غزة حصة مضمونة في الجيب، ولا بأس من ان تجري مصالحة شكلية وزائفة على هذا الاساس !!!وبذلك نرى حماس تبدي مرونة في الموضوعات التي لا تناسبها هذه المرونة مثل القبول بالتهدئة العبثية مع اسرائيل والحفاظ عليها بأي ثمن !!! بينما لا تبدي أي نوع من المرونة فيما يتعلق بالعلاقات الوطنية الفلسطينية وعنوانها الرئيسي المصالحة.
ولذلك نرى ان الفتور وعدم التصديق وعدم الاهتمام هو ما نراه لدى الرأي العام الفلسطيني اتجاه اجتماعات المصالحة، وان هذه الاجتماعات هي اصلا نوع من تقطيع الوقت ليس إلا،ولكن يبقى السؤال الاصعب :
الى متى يمكن الانتظار ؟؟؟
والى متى يمكن استمرار اللعبة على هذا النحو الرديء.