حكومة سد الفراغ / بقلم طلال عوكل

حكومة سد الفراغ  / بقلم طلال عوكل
حكومة سد الفراغ / بقلم طلال عوكل

حكومة سد الفراغ  / بقلم طلال عوكل

حكومة الضرورة، التي كُلِّفَ بتشكيلها الدكتور رامي الحمد الله، وضعها كوضع مريض السرطان، الذي يتبلغ من قبل أطبائه بأن عمره أصبح محدوداً بعد أن استشرى المرض، وبلغ حداً لا تفيد معه كل وسائل العلاج. رئيس جامعة النجاح، الذي انتقل بمستوى الجامعة إلى مكانة أفضل بل مكانة متقدمة بين الجامعات الفلسطينية، قد يتمتع بالكفاءة والقدرة على إدارة الحكومة شرط أن يتوفر له الوقت الكافي والإمكانيات المناسبة ولكن ماذا نتوقع منه ومن حكومته، وقد حدد هو بنفسه عمرها الذي ينتهي كما قال في الرابع عشر من آب القادم.
في الواقع كان بالإمكان أن يعود الرئيس ويُكلِّف الدكتور سلام فياض بتقطيع هذا الوقت القصير، لكن حركة "فتح" التي ناصبت فياض وحكومته العداء، لم تترك لفياض أي خيار سوى أن يبلغ الرئيس بأن لن ينتظر يوماً آخر بعد يوم الأحد الثاني من هذا الشهر حيث تنتهي المهلة القانونية المتاحة أمام حكومته. الصحافيون والمهتمون بالشأن السياسي الفلسطيني يتساءلون عن برناج حكومة الحمد الله، وعن التحديات التي تواجهها، وعن علاقة تشكيل الحكومة بملف المصالحة الفلسطينية وبالتالي عن العمر المحتمل لهذه الحكومة.
في الواقع فإن هذه الأسئلة ليست في محلها، فعلى المستوى السياسي وباستثناء ما يقال من أن تكليف الحمد الله يشير إلى تحسن متوقع أكثر في العلاقات الفلسطينية الأردنية، وبكونه ينتمي إلى حركة فتح، بما يلبي مطلب الحركة القديم حين كانت حكومة فياض، فإن هذه الحكومة لا علاقة لها بالسياسة.


السياسة وأهم عناوينها المحاولات الأميركية الجارية من أجل استئناف المفاوضات هي من اختصاص الرئيس، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وسواء كان الحمد الله هو رئيس الحكومة أو غيره فإن عليه أن يلتزم بالبرنامج السياسي للرئيس. إذا كانت الحكومة لا تؤشر إلى التحديات السياسية، إذ لا يمكن للرئيس أن يكلف شخصية معارضة لبرنامجه وتوجهاته السياسية، فإن واجبها ينحصر في الإدارة العامة لشؤون البلاد والعباد. والسؤال هل لدى الحكومة الجديدة رؤية أو مشروع مختلف عن برنامج ورؤية الحكومة المستقلة لإدارة البلاد والعباد، أم أن هذه الحكومة هي، أيضاً، تخضع للعوامل التي تؤثر في قدرتها على العمل وأهمهما إن شئتم توفر أو عدم توفر التمويل سواء لخزينة السلطة أو للتنمية والاستثمار والتطوير الاقتصادي.


في هذا الإطار فإن حكومة الدكتور فياض قد أبدعت، حيث واصلت العمل لستّ سنوات، تميزت بالكثير من الأزمات والاضطرابات، وفي مناخات فلسطينية داخلية، ضاعفت من التحديات الخارجية التي واجهت الحكومة. والحال أن حكومة الحمد الله، لا تعمل في ظروف مناسبة بل إن الظروف قد تكون أصعب، حيث من المتوقع أن تواجه ضغوطا هائلة من قبل إسرائيل ومن قبل الولايات المتحدة، على خلفية المحاولات الجارية لجرّ القيادة الفلسطينية إلى المفاوضات، دون أن تقدم هذه الأطراف لها ما يبرر موافقتها على العودة إلى طاولة التفاوض.
حتى مبلغ المليارات الأربعة التي تحدث عنها جون كيري وزير الخارجية الأميركية إنما هي الجزرة، التي لن تفرج عنها الولايات المتحدة ومن يشايعها، إلاّ في حال وافقت القيادة الفلسطينية على الخضوع للشروط الأميركية الإسرائيلية لاستئناف المفاوضات، وإلاّ فإن حكومة الحمد الله ستواجه أزمة مالية صعبة، بل ربما أكثر صعوبة من الأزمات التي واجهتها حكومة سلام فياض.
من ناحية أخرى، فإن كون الحمد الله فتحاوياً فإن ذلك يُخفِّفُ عنه انتقادات واحتجاجات حركة فتح، ولكن ماذا عن موقف العديد من الفصائل الفلسطينية الأساسية التي رفعت الغطاء السياسي الوطني عن هذه الحكومة حين رفضت المشاركة في المشاورات المتصلة بتشكيلها، أو المشاركة فيها؟
وماذا عن موقف حركة "حماس" التي تعتبر حكومة الحمد الله غير شرعية، وأن تشكيلها يقدم مؤشراً على مسؤولية حركة فتح عن تعطيل المصالحة وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، بناء لما تم الاتفاق عليه مؤخراً في القاهرة؟


وفي كل الأحوال ما الذي تستطيع هذه الحكومة أن تفعله خلال سبعين يوماً من العمر المتاح لها، علماً بأن رزنامة الوقت الفلسطينية مضروبة ومعطوبة منذ زمن، ما يرجِّح الاعتقاد بأن عمر هذه الحكومة قد يمتد لما هو أبعد من الزمن الذي حدده لها الحمد الله؟
في الواقع لا يمكن أن نتوقع من الحكومة الجديدة سوى متابعة برنامج حكومة الدكتور سلام فياض، ووفق الموازنة التي اشتغل عليها، وفي ظروف سياسية صعبة، تزداد فيها التساؤلات الحائرة حول مستقبل المؤسسة الفلسطينية والسياسة الفلسطينية في ضوء تطورات الوضع السياسي.


أما عن علاقة هذه الحكومة بملف المصالحة، فإن كل التبريرات التي يمكن أن تُساق، في مجال التأكيد على مواصلة الالتزام بما تم الاتفاق عليه في القاهرة والدوحة، لا يمكن أن تقنع أحداً. ما الفرق بين أن يجري استباق الوقت لتشكيل حكومة الوفاق الوطني، وبين أن يجري تأجيل ذلك إلى ما بعد شهرين؟ الحقيقة أن موضوع المصالحة برمّته مرتبط بموضوع المفاوضات، وفي الأصل فإن إسرائيل ومعها الولايات المتحدة ترفعان "فيتو" قوياً أمام إمكانية تحقيقها، فيما الإرادة الفلسطينية لتجاوز هذا "الفيتو"، لا تزال ضعيفة ومتردّدة. إن تحقيق المصالحة يحتاج إلى قرار أقرب إلى المغامرة المحسوبة، التي ترافقها استعدادات واعية لدفع ثمن تحقيقها، وإلاّ فإن خيبات الأمل ستتواصل كلما طرح هذا الأمر على بساط التداول والبحث.