الحاضر يعكس تجليات النكسة-- بقلم: عادل عبد الرحمن

الحاضر يعكس تجليات النكسة-- بقلم: عادل عبد الرحمن
الحاضر يعكس تجليات النكسة-- بقلم: عادل عبد الرحمن

حدثان عميقا الدلالة والابعاد عاشتهما شعوب الامة العربية عموما والشعب الفلسطيني خصوصا، وما زالت تداعياتهما تضرب جذورها في التربة العربية. الحدث الاول والاخطر، هو نكسة الخامس من حزيران 1967، التي أدمت قلوب الأمة كلها ، وتركت بصمات عميقة على المشهد العربي ككل، ما زالت شعوب الامة تدفع الثمن غاليا نتاج تلك الهزيمة النكراء، التي حلت بالجيوش العربية الثلاثة (المصري والسوري والاردني) وخاصة المصري. وما اصاب حركة التحرر الوطني العربية من انتكاسات متتالية، رغم بعض الاضاءات المتناثرة، كان بفعل نتاج تلك النكسة.

اما الحدث الثاني، فهو الاجتياح الاسرائيلي لأراضي الدولة اللبنانية في الرابع من حزيران 1982، واحتلال العاصمة اللبنانية بيروت بعد حرب استمرت ثلاثة اشهر متواصلة بين جيش الاحتلال الاسرائيلي المجوقل والمدعوم اميركيا مع قوام 160 الف جندي وبين القيادة المشتركة اللبنانية / الفلسطينية، صمدت فيها القوات المشتركة، صمودا بطوليا، نجم عنه خروج قوات الثورة الفلسطينية بسلاحها الفردي وباللباس العسكري، واسقطت اهداف القيادة السياسية الاسرائيلية والاميركية واتباعهم من اهل النظام العربي الرسمي، التي كان على رأسها تصفية منظمة التحرير الفلسطينية وبنيتها التحتية، ودفعت مناحيم بيغن، رئيس الوزراء الاسبق الى اعتزال الحياة السياسية، وطرد أريك شارون من وزارة الجيش.

اهمية الوقفة الآن امام تلك الذكرى، وخاصة ذكرى النكسة الـ (46) هو استخلاص الدروس والعبر، التي يمكن تكريرها بشكل دوري وكل عام. ولكن قيمتها هذا العام تزداد حدة وقوة، وتستدعي من جميع القوى الوطنية والقومية العربية في ظل ما تشهده الساحات العربية من تشظي ومزيد من التآكل للأبعاد الايجابية المحدودة المتبقية في نظام الدولة الوطنية، والسعي الاميركي الاسرائيلي إلى إعادة صياغة المنطقة وفق مخططهم التآمري / الشرق الاوسط الجديد او الكبير.

لعل ابرز الدروس العربية، يتمثل في ضرورة استشعار كل قوة وطنية وقومية مسؤولياتها تجاه ذاتها، وتجاه جماهيرها، وتجاه شعوب الامة ككل، وإعادة نظر جدية في بنائها الذاتي، وتجديد رؤيتها الوطنية والقومية بما يتوافق وحجم التحديات المفروضة على شعوب الامة كل على انفراد والأمة ككل، والعمل على النهوض من حالة السبات والمراوحة والهزيمة للرد على التحديات التاريخية والراهنة بوسائل ورؤى جديدة تتلاءم مع شروط اللحظة السياسية.

على الصعيد الفلسطيني تستدعي الضرورة من القيادات السياسية المختلفة استلهام دروس الحدثين بما لهما وعليهما، لا سيما وان النكسة حملت في طياتها إشعال شرارة الانطلاقة الثانية للثورة الفلسطينية المعاصرة (الانطلاقة الاولى في مطلع يناير 1965)، التي تلاها مجموعة من الانتصارات العسكرية والسياسية لعل ابرزها الانتصار في معركة الكرامة في 21 مارس 1986، واعادة الاعتبار للقضية الوطنية الفلسطينية كقضية سياسية وليست فقط قضية إنسانية (قضية لاجئين يبحثون عن كوبون التموين) وانتزاع العديد من قرارات الشرعية الدولية الداعمة والمساندة لكفاح الشعب الفلسطيني وحقوقه السياسية وأهمها، حقه في تقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194، وادانة الاحتلال الاسرائيلي.

كما كانت حرب الاجتياح عام 1982، احد الانجازات الوطنية، التي حققتها القيادة بفضل الصمود الاسطوري لقوات الثورة والحركة الوطنية اللبنانية، ورغم ما تم تداوله وطرحه من مشاريع مشبوهة من قبل إدارة ريغان وبعض العرب آنذاك، ولاحقا إدارة بوش الاب ووزير خارجيته بيكر، غير ان القيادة الفلسطينية مضطرة في شروط تلك اللحظات السياسية المعقدة من تاريخ الصراع العربي / الاسرائيلي التعامل الذكي مع تلك المشاريع بهدف حماية رأس الثورة من المقصلة المنصوبة لها على مدار تلك العقود، وما زالت حتى اللحظة.

الدرس الأهم في اللحظة الراهنة، أولا العمل بكل قوة على استنهاض الذات الوطنية، كل فصيل على حدة، والكل الوطني في إطار منظمة التحرير، والاستفادة من الظروف المحيطة لتطوير اشكال النضال الوطني لحماية رأس القضية والاهداف الوطنية، خاصة بعد الانجاز الذي تحقق في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 بحصول فلسطين على عضوية الدولة المراقب في الامم المتحدة؛ وهذا يتطلب العمل بقوة لاعادة الوحدة الوطنية لنسيج الشعب الفلسطيني، وسحب البساط من تحت ارجل القوى المعرقلة او المهددة لها، وخاصة قوى الانقلاب الحمساوي، والارتقاء بشكل الكفاح السلمي والدبلوماسي والسياسي، وعدم الرهان على الوعود الاميركية، لا سيما وان جون كيري عاد بالأمس يقول، ما زال يسعى، ولم يتمكن من بلورة خطة لاحداث اختراق في الاستعصاء الاسرائيلي.

القضية الفلسطينية تعيش فعليا لحظة خطيرة من حياتها، إن لم تتمكن القوى السياسية الرسمية والشعبية من الامساك بزمام الامور، فإن ما هو قادم سيكون اخطر على مصير ومستقبل القضية الوطنية. وبالتالي على النائمين في العسل وعلى انغام الوعود او احلام الامارة السوداء ان يستيقظوا من لحظة الوهم والاحلام الغبية، كي يتمكنوا من حماية الذات الشخصية والوطنية واهداف ومصالح الشعب العليا.