"جيش الهبد الالكتروني",,,فكرة جديدة حققت إنجازات عظيمة في فضح جرائم الاحتلال

9998963645.jpg
9998963645.jpg

غزة/ المشرق نيوز

لا يُمكن لأحد، أن يتجاهل الثورة التكنولوجية، التي غيرت الكثير في العالم، ولعبت دوراً في خلق الرأي العام، وتوجيه القرار السياسي، وبالتالي لم تعد صناعة الإعلام مقتصرة على المفاهيم التقليدية القديمة.

وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي أحياناً بديلة عن الإعلام التقليدي، لذا أُطلق عليه اسم الإعلام الجديد أو الإعلام البديل، والذي يكون حساساً في حال وقع في الأيدي الخاطئة، فهو خارج عن سيطرة التحكم بالمحتوى، لكنه في فلسطين بشكل عام، وفي غزة بشكل خاص، ظهر بشكل إيجابي جداً في أيدي مجموعة شباب، استطاعوا أن يُوجهوا الرأي العام لصالح وطنهم المُحتل.

برز دور تلك المجموعة الشبابية التي تُطلق على نفسها اسم (جيش الهبد الإلكتروني)، في التصعيد الأخير في غزة، والذي أسفر عن ارتقاء 27 شهيداً وإصابة 154 مواطناً بجراح مُختلفة جراء التصعيد الإسرائيلي، الذي استمر ليومين على قطاع غزة.

فتقوم المجموعة برصد المنشورات والتغريدات المُسيئة أو المضللة، وتكثيف التعليق عليها لتوضيح الحقيقة للمشاهد غير المطلع، مما سيحثه على البحث عن الحقيقة من مصدر آخر

مقاومة من نوع آخر

وأثبتت هذه المجموعة أن الدفاع عن الوطن ليس بضرب الصواريخ فقط، بل بضرب رواية المحتل الإسرائيلي، الذي يحاول أن يقنع بها الدول الغربية، فقاموا بدورهم الوطني بالدفاع عن رواية فلسطين المتجذرة في الأرض والتاريخ، ومحاولة إحيائها في أذهان العالم الخارجي، وخصوصاً المجتمع الأوروبي، الذي يتجاوب مع الحوار والنقاش البناء المدعم بالوثائق والحقائق.

ولأن أبرز أعضاء هذا الجيش، هم شباب واعٍ مُثقف، يحملون درجات علمية عليا، فقد أطلقوا حملة بعنوان #اهبد 194 تهدف إلى إثبات كذب الرواية الإسرائيلية أثناء التصعيد على غزة، ولم يكن اختيار الرقم 194 عبثياً، بل كان يحمل دلالتين، أولهما: القرار الأممي المتعلق بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة لديارهم التي شردوا منها عام 1948، والثانية: رقم عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة.

يقول حسن الداوودي- وهو مترجم وباحث في الدبلوماسية الرقمية- وأبرز أعضاء جيش الهبد الإلكتروني: "مصطلح الهبد هو عملية مكافحة الخطاب الإعلامي المضلل والمستفز عبر منصات التواصل الاجتماعي، وينقسم إلى شقين الأول: يستهدف رواية الاحتلال ومنصاته التي تبث الأكاذيب للعالم بمختلف اللغات، والشق الثاني: يستهدف الإعلام المحلي صاحب الرواية الخادعة غير الموضوعية أو الجاهلة التي تسوق رواية الاحتلال".

وقال حسن في حديثه لـ "دنيا الوطن": "الفكرة أوجدها نشطاء شباب معروفون، متسلحون بوعيهم وسعة اطلاعهم لتلبية ضرورة ملحة، وهي سد الفجوة بين الحقيقة والتضليل والرواية الفلسطينية والصهيونية، والتي وجدوا قصورًا لدى الإعلام الرسمي في التعامل معها".

25 لغة رسمية

ويتباهى جيش الهبد الإلكتروني بأنهم ضربوا رقماً قياسياً في اللغات المستخدمة لنقل الرواية الفلسطينية للأحداث، يقول حسن: "تم استخدام 25 لغة مختلفة من قبل الهبيدة وهو رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ الرواية الفلسطينية، حيث تستخدم وزارة الخارجية الفلسطينية تسع لغات فقط في نقل الرواية".

وكشف حسن أن استعانة أفراد جيشهم بترجمة "جوجل" قليلة، حيث إن عدداً من "الهبيدة" يجيدون أكثر من لغة، خاصة أن أغلبهم من المُغتربين خارج فلسطين.

أما أبرز إنجازات "الهبيدة" كما سردها حسن: "قبل التصعيد، أجبرنا قناة (ناشيونال جيوغرافيك) على حذف منشور تصف فيه صحراء النقب بفلسطين، بصحراء جوفيان بإسرائيل، واعتذرت بمنشور آخر وكتبت فلسطين".

واستطرد حسن: " استقطبنا مئات من مُناصري الرواية الإسرائيلية؛ ليكونوا محايدين أو مناصرين لقضية فلسطين بعد أن خاضوا نقاشات مع الهبيدة، كما أجبرنا عدداً كبيراً من المسؤولين والنشطاء الإسرائيليين على حذف منشوراتهم بعد أن فقدوا الأمل في السيطرة على التعليقات، وأبرزهم نفتالي حنانيا المتخصص في صناعة المحتوى المرئي المضلل، وهو موظف في خارجية الاحتلال".

وأضاف حسن: "استطعنا التأثير على المزاج للمواطن الأوروبي، الذي كان مقبلاً على الذهاب لتل أبيب لحضور حفل (يوروفيجن)، حيث تضامن العشرات منهم مع الرواية التي تم تقديمها وقرروا مقاطعة الحفل".

وأكد حسن أن تقويم الخطاب الإعلامي الداخلي قدر المستطاع لمنع تضليل المواطن من أي وسيلة إعلام حزبي هو أهم أهدافهم، وكذلك الاستمرار في إيجاد سبل جديدة لإيصال الرواية الفلسطينية بمختلف اللغات من خلال التفاعل مع الأحداث العالمية، ومواصلة وضع رواية الاحتلال الكاذبة موضع شك عبر ملاحقة ما يبثه من مواد قدر الإمكان.

معركة الوعي

أما أبرز "الهبيدة" المهندس أحمد ماهر جودة ، وهو مسؤول فريق الهبد الالكتروني أو كما يُطلق عليه "جيش الهبيدة" الأمين العام، فاستعرض إنجازات جيشهم لليوم الثالث على التوالي، قائلاً: "قمنا بحياكة هبدة تكتيكية نوعية توضح وعينا كشباب فلسطيني بما يحاك من إعلام المحتل فقد رصدنا ردود فعل غريبة لمجموعة الحريديم وحاخامات إسرائيل حيث لاحظنا أنهم يهاجمون الحفل الغنائي "يوروفيجن" المزمع عقده يوم السبت وقت العيد المقدس بالنسبة لإسرائيل، فقمنا باستغلال هذا الأمر لصالحنا، وبدأنا بالهبد الإلكتروني المكثف على صفحة الحفل الغنائي بآلاف التعليقات النوعية ".

وأضاف جودة في حديثه لـ"دنيا الوطن": "قمنا بالدعوة لهبد صحيفة الوكالة اليهودية حول العالم التي تحاول تزييف الحقائق كعادتها، ففاجأناها اليوم بوعي منقطع النظير مرفق بالصور والجرائم التي ارتكبها المحتل بحقنا وما زال يرتكبها وقمنا بخوض نقاشات حادة وجادة مع أشخاص إسرائيليين وأوروبيين حول ما يدور وحول زيف روايتهم التي يحاولون أن يروجونها".

وكشف جودة أنه لم  يتوقف الهبد الرقمي إلى هنا، فشمل على هبد شخصيات كبيرة ووازنة مناصرة للرواية الإسرائيلية، وقال: "كان لنجل رئيس البرازيل نصيب منها فانهالت على كذبه آلاف الهبدات الإلكترونية المدعمة بالوثائق والصور والمجازر التي ارتكبها المحتل بحقنا، وقمنا بخوض مئات النقاشات مع الشعب البرازيلي المثمرة جداً، والتي لاقت تجاوباً لروايتنا، ونقم على رئيس البرازيل الصهيوني أكثر من الصهيونيين أنفسهم، وبدأ البرازيليون بالتعليق عليه أن انتبه لمشاكل البرازيل أفضل".

ويتباهى جودة كأي جيش بإنجازاته: "الصحيفة العالمية "فوكس نيوز" تحاول المساواة بين الضحية والجلاد فأعطيناها درساً لن تنساه في الدبلوماسية والمهنية الصحفية، وعبرنا بوعي خالص عن روايتنا الفلسطينية بكل وعي واقتدار".

ويستطرد: " قامت وكالة الـ (CNN) بنشر خبر مفاده يساوي بل ويقوي رواية إسرائيل مفتقدة للمهنية التي يجب أن تتحلى بها، فكانت هناك ملحمة هبدية رقمية كبرى في التعليقات مع مواطني الولايات المتحدة، فكان الوعي الفلسطيني سيد الموقف وأجبر الأمريكيين على النقاش والحوار والاستماع وعلى الاختلاف في نقاط والاتفاق في أخرى".

 الأفكار أقوى من السلاح

ويؤمن جودة "أن الهبد الرقمي لن يكون أقل من أسلوب رقمي مستدام في دحض زيف جميع الروايات أياً كان مصدرها، سواء دولي أو محلي، والدفاع عن حقوق الناس ومطالبها العادلة والمشروعة، وفي هبد أي تصريح غير مسؤول لأي جهة رسمية أو شخصية رسمية تحاول استغفال عقول الناس والإستهانة بها، وبمعاناتهم وتزييف الحقيقة والإلتفاف عليها".

وختم جودة:" فهو هبد رقمي مستمر أينما وجد الظلم والتضليل، وخلق حالة وعي فريدة من نوعها تكاد لم تكون على مدار الصراع وعلى مدار تاريخ القضية الفلسطينية".

ولم تسلم إيفانكا ترامب ابنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من هجوم الجيش الإلكتروني، حيث تعرض حسابها لمئات التغريدات التي جعلت الجميع يتفاعل معها.

عمل مُنظم

ورغم أن الأمر بدأ كمزحة، إلا أن الجيش سرعان ما نظم عمله بطريقة مُلفتة، واستخدموا إطاراً خاصاً بالصور الشخصية لكل مُشارك في جيش الهبد، بل وأصبحوا يستخدمون مصطلحات عسكرية، فكتب محمود نشوان- وهو مهندس مدني مقيم في بلجيكا- : "نحذر العدو من مغبة العبث مع الهبيدة ! عليم الله غير نخليكم تكرهوا الإنترنت كله"، كما يُشجع رفقائه بمصطلحات تُشبه الجيش الحقيقي: " أبطال الهبد، جاء الآن دوركم. أريدكم أن تهبدوا هذه الصفحة بكل قوة، " دقت ساعة الهبد"، " بسرعة، هناك بث مباشر الآن على صفحة 0404 أريد أن أرى كل هبداتكم لا أريد أن أرى أي تعليق من أبناء الاحتلال، هجوم".

حتى أن أهدافهم واضحة، وخُططهم مدروسة، وهذا ما أكده نشوان في حديثه لـ"دنيا الوطن": "الهبد انتهى خارجيا في الوقت الحالي، لكننا سنستمر في الدفاع عن قضايا المُواطن في الداخل".

وأَضاف نشوان: "سندافع عن  من أجل الأسر التي دُمرت منازلها حتى يتم تعويضهم وتأمينهم بأسرع وقت، ولن نتوقف حتى يقولون لنا نحن الآن بأمان".

ويرى نشوان أن الشعب في غزة يحتاج لأحد يُوصل صوتهم، وهذا ما أخذوه على عاتقهم.

أهداف جديدة

وبالرغم من كل تلك الإنجازات، إلا أن جيش الهبد لم يسلم من التجريح والانتقادات، يقول أمين صلاح: وهو أبرز أعضاء الجيش، وحاصل على ماجستير دراسات الشرق الأوسط: " تعرضنا للتجريح والانتقاد من بعض الصحفيين المقصرين في أداء مهمتهم، والذين يغالون في تقدير حجم القدرة الفلسطينية على الفعل، حيث عجز هؤلاء الإعلاميين عن نقل صورة الفلسطيني الضحية، الذي أتقناه نحن".

وأضاف أمين في حديثه لـ "دنيا الوطن": " بعدما شاهدنا تقصير الإعلام الفلسطيني في دحض الرواية الإسرائيلية وكشف زيفها، حتم علينا واجبنا الوطني، أن نقوم بذلك من خلال ما نمتلكه من معلومات وما نعانيه جراء الاحتلال، وما نمتلكه من إمكانيات متواضعة ".

وأكد أمين أنهم لن يتوقفوا، وسيقوموا بتشكيل حالة ردع لكل من يحاول الاستخفاف بالشعب الفلسطيني.

وأضاف: "سنعمل على تطوير الدبلوماسية الرقمية ونعممها، بحيث تصبح فعلاً شعبياً كنوع من أنواع المقاومة، التي تساهم في جلب تعاطف العالم مع مظلومية شعبنا، وتعمل على فضح ممارسات الاحتلال الإجرامية، وسنتصدى للكثير من المشاكل والمفاهيم الاجتماعية الخاطئة، ونحاول تصويب مسارها".

وأبرز أهداف الجيش الإلكتروني الجديد هي كما قال أمين: "سننشر حالة من الوعي للمواطن الفلسطيني، بحيث نشكل حالة ضاغطة للخروج من مجموعة الأزمات التي سببها الانقسام البغيض، وسنناقش الكثير من القضايا الاجتماعية، وسنعمل على المطالبة بتعزيز دور الشباب في الحياة العامة وفتح الآفاق أمام الشباب، ومنحهم الفرص لذلك".