الحذر.. فالقضية الفلسطينية الآن ليست مركزية -- بقلم:موفق مطر

الحذر.. فالقضية الفلسطينية الآن ليست مركزية -- بقلم:موفق مطر
الحذر.. فالقضية الفلسطينية الآن ليست مركزية -- بقلم:موفق مطر

اعلان حكومة الاحتلال بناء الف وحدة سكنية في القدس الشرقية (عاصمة دولة فلسطين) هي الف صفعة على وجه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، تشبه الى حد كبير الصفعة التي وجهت الى جو بايدن نائب الرئيس الأميركي، مع فارق بسيط ان صفعة بايدن كانت عن قرب، أي مباشرة بحكم وجوده حينها في ضيافة الحكومة الاسرائيلية، أما الصفعة لكيري فقد كانت عن بعد، أما نحن فانا نرى الأمور من حيث المبدأ، وليس حسب الزمان والمكان، فنتنياهو بات خبيرا بالصحة النفسية، والرؤى الاستراتيجية لساكن البيت الأبيض وبالعقل المدبر للإدارة الأميركية، فنراه يراوغ كالثعلب ويلدغ كالعقرب، في اللحظة الأنسب.

يعلم نتنياهو أن الادارة الأميركية لا تملك حاليا رؤية استراتيجية للقضية الفلسطينية، وليس لديها مشروع متكامل لتطبيق حل الدولتين، ولا تقدر على وصف العلاج الجذري وان كل ما ما لديها مجرد اطروحات نظرية بمثابة (مهدئ)، فنتنياهو يدرك جيدا أن القضية الفلسطينية لم تعد الاولى ولا المركزية من القضايا والصراعات في الشرق الأوسط، علاوة على أن عملية رسم الخارطة الجيوسياسية الجديدة مازالت في مرحلة التشطيب، رغم اتضاح معالم الهيكل العام لخارطة المنطقة الجديدة، ومآل الحدود القديمة لدول سايكس بيكو، فالمجتمع الدولي وعلى رأسه الادارة الأميركية مشوش، متناقض المواقف،منشغل بأزماته الاقتصادية، ومحاربة الارهاب، وإطفاء النيران المشتعلة فجأة هنا وهناك في مواقع نفوذه بشمال افريقيا بالنسبة لأوروبا، والمخاطر الآتية من التنين الكوري الشمالي بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، ومعالجة الملف النووي الايراني بالنسبة لكليهما، وتداعيات امتداد النفوذ الايراني بمنطقة الخليج العربي والتهديدات التي تطال منطقة الشرق الوسط والخليج العربي خزان البترول الاستراتيجي الأعظم في العالم.

يعتمد نتنياهو ليس على قراءة خبراء اسرائيل الاستراتيجيين لتقرير سياسة حكومته وحسب، بل على خبراء اميركيين مشهود لهم بصواب الرؤية، والتخطيط، وتقرير السياسات الاستراتيجية الخارجية للإدارة الأميركية، وهذا ما يفتقده الطرف العربي في الصراع، فنتنياهو يطمح اولا وأخيرا لأن يكون بطلا اسرائيليا، لا محبوبا او مرضيا عنه لدى الادارة الأميركية، لكنه بذات الوقت يسعى لأن يكون مفهوما، ومقنعا بسياسته المرتكزة اولا وأخيرا على أمن اسرائيل ووجودها.. كيف لا وكل الأوضاع في الأقطار العربية المحيطة والبعيدة، تساعده في دفع روايته الى النخاع الشوكي لقناعة الاوروبيين والأميركان، فيحول فائض جهد اقناع الدول المؤثرة بالقرار العالمي الى تثبيت وتقوية الاحتلال وتوسيع رقعة الاستيطان في اراضي دولة فلسطين، يساعده في ذلك الأوضاع الملتهبة في الأقطار العربية، والعداء الظاهري والتهديد بازالتها عن الوجود مع كل خطاب لرئيس ايران أحمدي نجاد، بالتوازي مع النشوء المتسارع للتيارات المتطرفة، التي تتخذ من اسرائيل ذريعة لتبرير هجومها اللا اخلاقي للسيطرة على السلطة في الأقطار العربية، ولإعمال سيفها في رقاب الديمقراطيين والتقدميين والوطنيين في البلدان العربية.

يعتبر ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، والرئيس السابق لمجلس التخطيط الاستراتيجي في وزارة الخارجية الأميركية (إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الأولى) من أكثر الشخصيات تأثيراً على «التفكير النخبوي للسياسة الخارجية الأميركية»، لذا فان أقواله من النوع الذي لا يمر في قناة العاطفة او الميول الشخصية، او الانعكاسات العقائدية، فالرجل قال لصحيفة القدس :» ليس صحيحاً ما يقال عن مركزية حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في البعد الاستراتيجي الأميركي على المدى الطويل..و ان مدى تأثير ذلك (حل الصراع) على التطورات المتوقعة في منطقة الشرق الأوسط أمر مبالغ به كثيرا».

وقال ايضا :» ليس صحيحاً ما يدعيه البعض بشأن مركزية هذا الحل ضمن الاستراتيجية الأمنية الأميركية الكبرى في المنطقة وفي العالم رغم كثرة الحركة..و إذا ما نظرنا إلى تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية فسوف نكتشف أنها ليست حكومة سلام، وهي ماضية في مشاريعها بغض النظر عن الاعتراضات الأميركية العرضية بين الحين والآخر، لأسباب عديدة منها غياب الاهتمام الحقيقي للإسرائيليين في تحقيق السلام وانشغالهم بقضاياهم الداخلية، وأثر اليمين والاستيطان في إسرائيل وتفكك الفلسطينيين وانشغال المنطقة بقضايا أخرى أكثر التهابا».

يتوجب علينا كفلسطينيين اليقظة والحذر حتى لا نقدم على خطوة واحدة غير محسوبة، تحت تأثير الانفعال العاطفي السياسي، او تحت تأثير ضغط الدعاية الحزبية المطروحة بمنظور التكسب العددي الجزئي على حساب المصلحة العليا للكل الفلسطيني، فالعالم منشغل عنا بقضاياه، حتى ان الجريمة ضد الانسانية بلغت في سوريا ما لم تبلغه من همجية ودموية في أي مكان في العالم، فيما الكبار يتفرجون ويتفننون بإبداء المواقف الكلامية التلفزيونية.. بمعنى آخر ان اقدامنا على أي خطوة لا نضمن نجاحها او تأثيراتها المباشرة على المجتمع الدولي والدول الكبرى تحديدا، فانها ستكون فرصة مناسبة لإسرائيل للإجهاز على ما تبقى من آمالنا في مشروعنا الوطني، ومد دويلة حماس بقطاع غزة بنفخة حياة الى ماشاء الله !. يقول هاس : « لو توصلنا إلى حل وكان هناك سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل فانني أعتقد أن أثر ذلك على برنامج إيران النووي أو على الحرب الأهلية السورية أو على طبيعة العلاقات المصرية الإسرائيلية على سبيل المثال سيكون ضئيلاً جداً».

وينبه هاس الى أن جهود كيري لإنعاش عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل «ستذهب سدى لأن معطيات الواقع (على الأرض) تتناقض مع التمنيات الأميركية في إنهاء الصراع على أساس قيام حل الدولتين».

لم يستفد المعارضون السوريون من تجربتنا المريرة مع الادارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، لكن من الواجب علينا الاستفادة من تجربة تعامل الادارة الأميركية والاتحاد الأوروبي مع قضية الشعب السوري.. فضمائر قادة وزعماء حكومات دول العالم الحر الغائبة رغم فظاعة وقائع المجازر والجريمة ضد الانسانية في سوريا، لن تحضر وستبقى غائبة وغافلة حتى لو حدثت لنا نكبة او نكسة اخرى !.