متى آخر مرة التقيت فيها الكتاب يا رئيس حكومة غزة؟ ...حسين حجازي

متى آخر مرة التقيت فيها الكتاب يا رئيس حكومة غزة؟ ...حسين حجازي
متى آخر مرة التقيت فيها الكتاب يا رئيس حكومة غزة؟ ...حسين حجازي

متى آخر مرة التقيت فيها الكتاب يا رئيس حكومة غزة؟ ...حسين حجازي

لم أكتب هنا منتقداً أو معترضاً أو حتى مؤيداً أو مرحباً، بزيارة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي إلى غزة، التي أثارت في حينه جدلاً واسعاً في أوساط الفلسطينيين. وليس ذلك لأن الزيارة لم تثر فضولي المهني، لا بل لسبب آخر وهو أن زيارة الشيخ وهو فقيه وعالم له وزنه وحضوره، وإلقاؤه الخطاب في غزة تصادف مع إلقاء شيخ آخر له هو أيضاً وزنه وحضوره هو الأمين العام لحزب الله في لبنان السيد حسن نصر الله خطاباً في الوقت نفسه. وقد فضلت وليعذرني الشيخ القرضاوي ومحبوه في غزة الاستماع إلى ما يقوله حسن نصر الله، لأنني أعتقد منذ تفجر الأزمة السورية قبل سنتين أن ثقل مركز الحدث الرئيسي أو إن شئتم اللعبة الكبيرة التي تحدد مصير المنطقة والعالم بما فيه نحن الفلسطينيين في غزة والضفة، إنما هي التي تجري هناك في الصراع على سورية وفي سورية وهو، ما أحاول هنا منذ مدة أن ألفت الانتباه إليه بما في ذلك "فتح" و"حماس" معاً والرأي العام الفلسطيني. ولذا ما كان لي وعلي أن اختار ما هو الأهم في المساحة التي تخصصها لي هذه الصحيفة بدل الدخول أو الانخراط في نقاش جانبي يجري في الزقاق، في ما اسرائيل تقصف جبل قاسيون، أن اهتم بما يجري في الساحة الكبيرة.


لكنني أعود إلى هذه القضية الآن لأنني أرى بعد التداعيات التي اتخذها هذا الجدل انه بات من الضروري بل والملح إجراء هذا النقاش أو الحوار المعلن أو السجال مع حركة حماس بوصفها السلطة الحاكمة في غزة وبوصفها كذلك فصيلاً سياسياً وازناً في الساحة الفلسطينية، طالما انه لا يوجد بيننا نحن مجموع ما يسمى بالكتاب أو المثقفين الفلسطينيين الغزيين على الأقل أي قنوات اتصال كما كان الحال زمن الرئيس عرفات والرئيس أبو مازن حيث كان الرجلان يتكرمان بإعطائنا قيمة ما اعتبارية، لأجل الاعتراف بنا على الأقل. وتفضلا مشكورين في مناسبات ما دعوتنا إلى مثل هذا الحوار أو العصف الفكري.


وهو ما قام به للمرة الأولى والأخيرة رئيس الوزراء اسماعيwwwwAل هنية قبيل الانتخابات عام2006، حينما دعانا إلى قاعة فندق الأندلس على البحر ليشرح لنا ملامح خطاب "حماس" السياسي الجديد. وكان بين الحضور ومعظمهم من الكتاب الفلسطينيين غير المحسوبين على "حماس" الزميل يحيى رباح وقد كتبنا هنا مشيدين بل ومرحبين بهذا الخطاب، ما اعتبرناه حديثاً في الجوهر، وبالمبادرة التي أقدمت عليها "حماس" في بناء هذا التواصل مع المثقفين الفلسطينيين، حتى أنني لأذكر بأن السيد هنية تفضل بالمجيء إلى الطاولة التي كنا نجلس عليها من قبيل الحرص على الاستماع أو الوقوف على انطباعاتنا، وكانت الروح التي ميزت اللقاء أو الحوار ودية لم تخل من روح الدعابة والمزاح الذي طالما ميز لقاءات الفلسطينيين بعضهم البعض رغم اختلافهم. وانصبت هذه التعليقات المازحة بصورة لافتة على هزات رأس زميلنا يحيى رباح، تعبيراً عن استحسان الرجل بلغة الجسد لما كان يقوله السيد اسماعيل هنية. (هز الرأس بحكمة لحديث عن الجوهر) كما يقول ذلك الشاعر السويدي من القرن الماضي.


لكنني اسألك الآن متى آخر مرة دعتك الحكومة المقالة أو ناطق أو متحدث باسمها حتى لا نقول رئيس وزرائها إلى مثل هذا اللقاء أو الحوار ولو من قبيل الاعتراف بوجودك؟ وأنا أجيبكم على الأقل فيما يتعلق بشخصي، أن تلك المناسبة التي أشرت إليها هي الأخيرة، أي قبل ان تصبح "حماس" سلطة وحكومة.

 فالماضي والحاضر للأسف لا يلتقيان غالباً وان كان التاريخ يقهقه ساخراً بالضحك علي هذه العلاقة بينهما دون أن يمل. فالواحد منهما يظل طوال الوقت يطارد الآخر لكنهما لن يلتقيا أبداً وهذه هي الحقيقة للأسف. لا حوار إذن هنا يحدث في غزة وأنا أقول لكم اكثر من ذلك، إن هذه بنية من العلاقة هي في وضع من الاختلال. ويا قادة "حماس" قبل أن تسألوا يصدمكم هذا النقد الواسع لكل ما يصدر عنكم حتى ولو مجرد الأقوال، لاحظوا كم استأثر قول وزير داخليتكم السيد فتحي حماد عن محاربة كل من يسهم في تخفيض مستوى الرجولة من تهكمات. عليكم أن تسألوا عن هذا الاختلال الذي هو مصدر كل هذه التشوهات الأخرى أو ما تعتبرونه سوء فهم أو مواقف عدائية إزاءكم. فنحن من مشارب وميول متعددة ولكننا اتفقنا على أن هذه التعددية هي مصدر فخرنا وتفوقنا وقوتنا، على أنها ميزة وليست ثغرة. ونحن مجتمع صغير ومتداخل وثمة شيء كبير يوحدنا هو التلاحم السيكولوجي الذي يتفوق على الأداء والتوافق السياسي.


ولقد مر وقت من زمن لم تفسد فيه الحياة السياسية الداخلية الفلسطينية، ولا وعي السلطة أو القيادات الفلسطينية المتنفذة بإدراك حساسية العلاقة مع هذه الفئة التي يمكن تسميتها بالنخبة الثقافية أو الانتلجنسيا. وكانت السلطة أو القيادة سواء هنا أو في المنفى تبدي هذا القدر من الحساسية الفطرية المنبثقة من ثقافة المنفى الرائعة، التي تحدث عنها ادوارد سعيد. إزاء الدور الاعتباري للكتاب الفلسطينيين، حساسية على قدر من الحياء العذري لكتلة وسيطة تلعب دور الحكم أو الرقيب. ولكن اليوم نحن نشهد فراغ هذا الدور وانزياحه، بل والتعدي عليه. وتراجع هذا الحياء الجميل، والذي يفسر إلى حد بعيد وجوهري استمرار هذا الاختلال البنيوي والذي يفسر بدوره مواصلة تعزيز الانقسام دونما استحياء وخوف أو خجل من كتلة وسيطة من المفترض إنها تحاكي أو توازي دور الضمير الأعلى. بل ودون الخشية من كلمتها، أي الكلمة باعتبارها سلاح الموقف. الكلمة التي هي (لوغس) الروح.
ولذا أقول قد لا يكون من اللائق رد الفعل هذا الذي لا يخلو من كيدية أو نكاية بـ"حماس" كتعبير عن الامتعاض من سلوكها، انتقاد زيارة لشيخ طاعن في السن إلى غزة. أهلاً وسهلاً ولكن النقد والسجال الحقيقي برأيي كان ولا يزال يجب أن يوجه إلى "حماس" نفسها. ويكون مع "حماس" مباشرة لأن هذه هي المسألة والقضية. وأنا كنت على المستوى الشخصي لم أحب أقوال القرضاوي عن حزب الله وأرى فيها موقفاً خاطئاً من لدن الشيخ ما كان ينبغي عليه أن يدلي بها. ولكنني أرى أن موقف "حماس" والشيخ القرضاوي والإخوان المسلمين ككل من الأزمة السورية هو بالمحصلة الأخيرة الموقف الذي يستحق النقاش. لا أن نختزل الموضوع في مسألة تسطح القضية بالسؤال هل نرحب بزيارة القرضاوي أم لا؟. إذا كان من غير اللائق أن لا نرحب بالضيف وفق ما تقتضيه تقاليدنا. والمسألة واضحة وبسيطة هذا الشيخ عالم في شؤون الدين له وزنه وهو عالم كبير لا يستطيع أحد الانتقاص من علمه وهو لعب دوراً مهماً في دعم "حماس"، علينا أن نرى ذلك في دعمه كرئيس لرابطة العلماء المسلمين التي تشكلت أساساً بدعم من قطر لإيجاد مرجعية دينية من خارج مرجعية الأزهر في القاهرة والوهابية في السعودية. وكرجل أسدى من موقعه خيراً كبيراً لـ"حماس"، وأرادت "حماس" إظهار التكريم اللائق بالرجل عرفاناً بجميله وفضائله عليهم، وهذا كل ما في الأمر.
فهل يحق لـ"حماس" ويجوز لها تكريم الرجل والاحتفاء به؟ يحق لها لكن ما لا يحق لـ"حماس" ولا يجوز لها ويجب النقاش حوله معها هو ما سنأتي عليه في حديث لاحق وللحديث بقية.