إلا خصوصية الدولة بقلم د. سالم حميد

إلا خصوصية الدولة  بقلم د. سالم حميد
إلا خصوصية الدولة بقلم د. سالم حميد

إلا خصوصية الدولة

بقلم د. سالم حميد

النموذج الذي جسدته دولة الإمارات العربية المتحدة في فنون الانصهار والتعايش هو الميزة الأساسية التي انفردت بها عن مختلف شعوب الكرة الأرضية، وعبرها حققت ريادتها المشهودة التي مكّنتها من التقدم على الكثير من الدول التي سبقتها عمراً وتجربةً في سباق النهضة والتطور والبناء. ففي دولة الإمارات العربية المتحدة تعيش جنسيات وشعوب وقبائل فاقت تلك التي حوتها أضابير ملفات الأمم المتحدة، ولا يكاد المراقب للحركة الحياتية العامة في الدولة يميّز بين معتنقي مختلف الديانات، ولا حتى اختلافات الشعوب في العادات والتقاليد والأعراق والجذور والأشكال والألوان وغيرها من الفوارق التمييزية التي كانت أساساً للخلافات الكبيرة المستعصية في مختلف البلدان، فالدولة تم تأسيسها على أساس واحد هو القانون الذي مثّل الفيصل الذي تساوى فيه كل الناس، والتمييز الوحيد الذي نلحظه في الدولة هو تمييز بين من يخرق القانون ومن يمتثل لنصوصه.

وعندما أسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مع إخوته بناة الاتحاد، طيّب الله ثراهم جميعاً، دولة الإمارات العربية المتحدة، كانت المساواة بين المواطنين في كل شيء هي النهج الذي اتفقوا عليه، وعملوا على تحقيقه بكل عزيمة وإصرار، وبنوا الدولة على أساس المواطنة لا غيرها، ووضعوا الدستور على أساس أن تعريف المواطن يقاس بالولاء للوطن، والتقيد بقوانينه، وقدر العطاء الذي يبذله من أجل الأرض والمجتمع.

وفي الجلسة السابقة لموقوفي التنظيم الإخواني المتأسلم الذين تتم محاكمتهم بموجب ما انتهجته الدولة كدولة قانون، فجّر أحد محامي المتهمين مفاجأة مدويّة فسرها المراقبون بالعديد من التفاسير، وبدلا من حصر موضوعه في الدفاع عن الموقوفين، خرج عن صلب الموضوع فأقحم معالي الفريق ضاحي خلفان، قائد عام شرطة دبي، باعتبار أن كلامه مسموعاً كما ادّعى، وهي نقطة تحسب لضاحي لا ضده، فالكلام الذي يدور حول الولاء للوطن وقادته وشعبه، ويتصدى لمستهدفيه هو كلام مسموع باعتراف المحامي الذي لم يوضح بأن الوعي المجتمعي الوطني العام هو ما جعل هذا النوع من الكلام مسموعاً ومرحباً به من مختلف طبقات المجتمع الذي قام على خصوصية التماسك بين أفراده والتلاحم التام مع ولاة أموره، وأن كل ما عدا ذلك من حديث يعتبر مرفوضاً تماماً.

ولم يقف الهجوم عند قائد عام شرطة دبي، ولكنه تعدّاه إلى مدى أبعد، ليطال وزير الدولة للشؤون الخارجية، في مرافعة عرجاء لم تعتدها محاكم الدولة، ولا تشبه قيم وطبيعة وسماحة ووعي مجتمعها الذي شهدت له كل الشعوب التي تعيش في الوطن وخارجه بغير ما جاء في تلك المرافعة، ولا يعبر عن أدنى وعي وثقافة قانونية كان يجب أن تتصدى لمثل هذه الأمراض الاجتماعية، لا تقوم بصب الزيت على نيرانها، فالتهجم الذي حوته المرافعة مثّل سابقة خطيرة تمضي في ذات الطريق الذي تم بموجبه توقيف من يدافع عنهم المترافع. فالتنظيم الإخواني المتأسلم في مختلف مناطق تواجده بالكرة الأرضية، عرف عنه مهاجمة منتقديه، ومحاولة إثارة الفتن، وهو ما تجنبته الدولة دائماً وأبداً، وتعاملت بحزم كامل مع كل من سار على طريقه، فوصلت للمراتب الريادية التي لا تخطئها عين.

ومن الغريب أن المرافعة التي خرجت عن الجانب القانوني في محاولة تشتيت واضحة لزمن الجلسة، قال فيها المحامي بالحرف: «لا يزال قرقاش يدندن على أنهم خونة، ويتحدث عن أشخاص يفوقونه وطنية وعلماً وأصالة»! وهي في تفسيرها تعني الكثير، فالوطنية والأصالة بموازاة الاتهامات الموجهة للمتهمين تجعل المراقب في حيرة من أمره أمام مقاييس المحامي لها، والذي يبدو أنه تناسى بأن الدولة دولة قانون، وأن المنطق اللاقانوني الغريب يتناقض تماماً مع واقع الدولة وواقع المحاكمة، ويبذر أفكاراً مسمومة أساءت لبعض موكليه الذين يترافع عنهم، فالدولة خلال مسيرتها الطويلة الناصعة في هذا الجانب أثبتت عدم تعاملها مع أيّ منطق يخالف مبدأ التساوي في المواطنة، وأن من يدافع ويرافع عنهم ينتمون كغيرهم في منطق القانون لأصالة واحدة تقاس بمنطق الفئات والأعراق التي صهرتها الدولة في عرق واحد هو عرق المواطنة التي لم ولن يعترف القانون والمجتمع بسواها، وقد أثبتت الدولة من خلال ذلك أنه لا أحد فوق القانون، وضمّت مختلف المسميات الأسرية والقبلية، ومنهم من ينتمي لذات الأصول التي حاول المحامي المترافع النيل منها واستخدامها لشيء ما في نفسه.

وبعيداً عن شخصنة موضوع المرافعة، ينبغي أن تتعامل الجهات المختصة معه بحزم كامل، فالشخصيتان اللتان طالهما هجوم المترافع عن موقوفي التنظيم الإخواني المتأسلم، تعبيراً عن يأسه من إيجاد مبررات قانونية منطقية للدفاع عن موكليه، هما شخصيتان سياديتان بحكم منصبيهما، والتطاول على شخصية سيادية دون شك هو تطاول على الدولة، وفي حكم المنطق والعقل لا يختلف التطاول على الشخصيات السيادية في الدولة عن تهم المتهمين الموقوفين الذين حاولوا بطريقة منظمة في الجلسة السابقة أن يتطاولوا على نيابة الدولة، وفي هذه الجلسة تطاول محاميهم على شخصيتين سياديتين.

في رفع واضح لسقف التطاول الذي استغل فيه المحامي وموكلوه سعة صدر الدولة، وحرصها على سيادة القانون، وطول بالها حتى مع من يسيء إليها، فلو كان ما حدث من محامي موقوفي التنظيم الإخواني المتأسلم، قد حدث في دولة أخرى، خاصة الدول التي وصل الإخوان المتأسلمون لسدة حكمها، ما كانت الأمور قد مرّت كما حدث في دولة الإمارات.

فالحقوق اللامتناهية التي وفّرتها الدولة للإنسان، والتي تم بموجبها التعامل مع الموقوفين بهذه الطريقة الحضارية القانونية المذهلة، والحرية التي أعطيت لهم حتى بعد تطاولهم على جهات سيادية وفي داخل المحكمة، والتي أعطيت لمحاميهم فاستغلها بالهجوم على المسؤولين، وحاول عبرها إبراز وجه وهمي غير موجود في قاموس الدولة، يجب أن تتم صيانتها بالتصدي لمثل هذه الظواهر السلبية التي تسيء لنا دون شك وتحاول العودة بنا كثيراً إلى الوراء.