لهذا نكتب عن «الإخوان المسلمين»! بقلم عبدالله بن بجاد العتيبي

لهذا نكتب عن «الإخوان المسلمين»!  بقلم عبدالله بن بجاد العتيبي
لهذا نكتب عن «الإخوان المسلمين»! بقلم عبدالله بن بجاد العتيبي

لهذا نكتب عن «الإخوان المسلمين»! بقلم عبدالله بن بجاد العتيبي

يتساءل البعض إما جهلاً وإما خبثاً لماذا يهتمّ بعض الكتاب والمثقفين بالكتابة عن الإخوان المسلمين وتاريخهم وخطابهم وطبيعة جماعتهم قديماً وحديثاً؟ ولئن كان سؤال الجاهل متفهماً في موضوعٍ يعتبره جديداً عليه، وربما لم يسمع به من قبل فإن سؤال المتخابث ليس كذلك، فهو سؤال يراد به إما قصر الكتابة عن «الإخوان» على أتباع الجماعة، أو إثارة الاتهامات واللغط حول الطروحات الجادة التي تقدم نقداً علمياً رصيناً لجماعة «الإخوان».

ابتداءً فجماعة «الإخوان» كغيرها من الجماعات والأحزاب والتيارات في المشهد العام والكتابة عنها كالكتابة عن غيرها، فلا أحد يستنكر الكتابة عن الأحزاب الشيوعية أو «البعثية»، أو عن التيارات اليسارية أو القومية أو اليسارية، وليس ثمة داعٍ للتفريق هنا.

وجماعة «الإخوان» ذات تاريخ طويل في التنظيمات السرية والتفجيرات والاغتيالات والعنف بشكل عام تنظيراً وممارسةً، وهو أمر يحتاج لجهد بحثي وتاريخي لا لإثباته فحسب، بل لإبرازه للكثيرين ممن لا يعرفون من تاريخ هذه الجماعة، إلا وهم أن عناصرها وأتباعها مجرد رجال دين همّهم الدعوة ونشر الخير.

ثمّ إن جماعة «الإخوان» تمثل نموذجاً صارخاً لخلط الدين بالسياسة واستغلال الدين لخدمة الأهداف السياسية، فهي ليست كالأحزاب الأخرى، التي تمارس السياسة بشكل صريح ومباشر لا مداراة فيه ولا لبس، ومن هنا فهي أجدر بالتناول والدرس والشرح من غيرها.

وجماعة «الإخوان» على مستوى الخطاب مرت بمراحل مختلفة حدّ التناقض وكان رموزها وقادتها يمارسون عن وعي طرح خطابات متناقضة. ولئن كان هذا مفهوماً لدى حركة سياسية، فإن الأمر ليس كذلك لدى حركة تدعي الالتزام بالدين الثابت والمطلق ثم توظفه في كل مرحلة كما تشاء لها مصالحها وغايتها.

وهي على مستوى الممارسة كانت تتلاعب بمواقفها وعلاقتها وتتناقض بين الخطاب والممارسة، بل بين كل واحد منهما في كل مرحلة، فمثلاً وهي الجماعة التي كانت تطرح دائماً محاربتها للصليبية الغربية والصهيونية العالمية، كانت على تواصل دائم مع الدول الغربية منذ مؤسسها حسن البنا وإلى اليوم، وهي علاقات كانت تقيمها سراً ومن تحت الطاولة ضداً لدولتها التي نشأت فيها.

وقد أخذ البنّا مبلغاً مادياً من شركة قناة السويس الإنجليزية قدره خمسمائة جنيه، وكانت لجماعته اتصالات بالألمان وشاركت الجماعة في الترويج للدعاية الألمانية وتوزيع خطب هتلر (الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ، محمود عبدالحليم، 1/347) وكانت لهم اتصالات سابقة ولاحقة مع البريطانيين، كما ذكر بتدقيق علي العميم في مقدمته الماتعة لكتاب ج.

هيوارث دن، (الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة، وكذلك مع الأميركيين منذ الخمسينيات وحتى اليوم (الحكومات الغربية والإسلام السياسي بعد 2011، كتاب المسبار، بحث ستيفن بروك).

هذه مجرد أمثلة مختصرة على هذه الاتصالات والصلات التي تعج بها المصادر، وهي كلها تتحدث عن بناء الإخوان المسلمين لعلاقات مع الدول الغربية من تحت الطاولة تعاند بها دولها وتتآمر ضد بلدانها.

وهي كانت تخادع القوى والأحزاب السياسية، فتتحالف معها وتعمل ضدها في الآن ذاته، وهي كانت تتغلغل في كثير من الدول تحت شعارات الدين والدعوة، ثم تخونها وتعمل ضدها وتنشيء الأحزاب الموالية لها وتجمع المعلومات عن قياداتها السياسية لاستغلالها ضدها في أي لحظة كما أنها تسعى تحت الأرض لتدبير الثورات والانقلابات.

ولقد خلقت على عينها وخرج من رحمها ومن خطابها وممارساتها كل جماعات العنف الديني، منذ تنظيمات العنف الديني في السبعينيات وصولاً إلى تنظيم «القاعدة» وفروعه المتعددة، وتحت جناحها اليوم تنمو وتكبر جماعات العنف الديني في كل بلد سيطرت عليه.

وأمرٌ آخر شديد الأهمية وهو أن جماعة «الإخوان» لم تعد جماعةً فحسب، ولكنّها تحوّلت لقيادة دول بعد الربيع الأصولي، في دول الاحتجاجات العربية، ما يكرّس أكثر أهمية الكتابة عنها، والبحث والدرس لخطابها وتاريخها وآيديولوجيتها وممارساتها قديماً وحديثاً.

كل ما سبق يشير بما لا يدع مجالاً للنقاش إلى أهمية تسليط الضوء على جماعة «الإخوان» وعرض تاريخها وخطابها وآيديولوجيتها على مشارط البحث والدرس، مع نقد مستمر ومقارنات دائمة، فضرورة تناولها تدفع إليها اليوم الأسباب السياسية والدينية والثقافية والأمنية على حد سواء.

إضافة لما تقدّم فإن حجم الجهل بجماعة «الإخوان»، هو أمر يزيد من ضرورة النظر فيها وعرض كل ما يتعلق بها وتنوير عامة الناس تجاهها، وأكثر من هذا حجم التضليل، الذي مارسته الجماعة والمتعاطفون معها من التيارات الأخرى تجاه حقيقتها وطبيعتها، فالتضليل هو مستوى أعمق من مجرد الجهل، وهو يحتاج إلى جهد أكبر لتعريته وإعادة الأمور إلى نصابها.

إن خيارات الجماعة السياسية بعد وصولها للسلطة توضح بجلاء ما تكنّه هذه الجماعة تجاه الأنظمة العربية المستقرة من عداء، فها هي تتحالف بقوة مع إيران، التي تعلن العداء السافر تجاه الدول العربية في أبشع مواقف إيران المتمثل بالقتل الممنهج للشعب السوري بكل السبل والوسائل، فهي لم تكتف بالصمت بل انحازت انحيازاً واضحاً لأعداء الشعب السوري من روسيا إلى إيران.

من يراقب ردود أفعال بعض من يتعاطون الشأن العام من ساسة ومثقفين وإعلاميين ونحوهم يجد لدى بعضهم استنكاراً واستغراباً لموقف الجماعة تجاه سوريا، وعدم فهم وضعف استيعاب لموقف الجماعة المعادي لكل القوى الأخرى داخل مصر على سبيل المثال، وهذه الشريحة تنتمي للنخبة لا للعامة، فإذا كانت هذه الشريحة النخبوية حائرةٌ تجاه تناقضات الجماعة فكيف بعامة الناس؟

إن جهل النخبة والعامة معاً بتاريخ الجماعة وسياساتها ومواقفها وآرائها، هو مما يمنح أهمية إضافية لوجوب التثقيف ونشر الوعي العام والتفصيلي تجاه جماعة الإخوان المسلمين على كل المستويات وفي كل المجالات.

إنها مهمةٌ ليست سهلةً وفيها الكثير من التعقيد والتعب ولكنّ ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه، ويمكن أن تتقاسم أعمالاً كهذه مراكز بحثيةٌ ووسائل إعلامية تكون قادرةً على استيعاب كامل الصورة وتنويع تناولها وعرضها بحسب الموضوع أو التاريخ أو الرموز أو المفاهيم أو نحوها من المداخل، بحثاً عن صورةٍ أصدق وتحليل أكمل.