«القاعدة» و«الإخوان»... ومصير سوريا! بقلم د. وحيد عبد المجيد

«القاعدة» و«الإخوان»... ومصير سوريا!  بقلم د. وحيد عبد المجيد
«القاعدة» و«الإخوان»... ومصير سوريا! بقلم د. وحيد عبد المجيد

«القاعدة» و«الإخوان»... ومصير سوريا!

بقلم د. وحيد عبد المجيد

بعد أكثر من سنتين من الصراع الذي بدأ سلمياً عبر انتفاضة شعبية ضد نظام الأسد، وتحول إلى صدام مسلح في منتصف عامه الأول، لا يزال هذا النظام صامداً رغم نجاح المعارضة في انتزاع السيطرة على مناطق عدة كانت مدينة الرقة آخرها حتى الآن. فقد تمكن النظام، عبر إطالة أمد الصراع، من استثمار تدهور الأوضاع في البلاد العربية التي حدث فيها تغيير، وهي تونس ومصر وليبيا. كما يسعى الآن لاستغلال تنامي نفوذ القوى الأصولية في أوساط المعارضة السورية، سواء الأكثر تطرفاً وفي مقدمتها «جبهة النصرة» أو الأقل تشدداً، وعلى رأسها جماعة «الإخوان». وقد نقلت «فاينانشل تايمز» عن المراقب العام لجماعة «الإخوان» السورية، رياض الشقفة، يوم الجمعة الماضي، اعترافه بأن «حكم هذه الجماعة في مصر وحركة النهضة في تونس أثار مخاوف منا في سوريا».

وتبدو العلاقة وثيقة بين سعي النظام السوري للاستفادة من القلق الداخلي والدولي نتيجة النفوذ المتزايد للتيار الأصولي، والفشل المتفاوت في البلاد التي حدث فيها تغيير. فالسلطة المسؤولة عن هذا الفشل تخضع لجماعات وحركات تنتمي إلى هذا التيار، سواء بشكل كامل في مصر، أو شبه كامل في تونس، أو من وراء ستار في ليبيا.

وفضلاً عن أن البلاد الثلاثة تقترب من حالة الدولة الفاشلة بالمعايير العالمية، بل باتت على أعتابها، خاصة مصر وليبيا، فقد أصبح التطرف الديني تهديداً لمؤسسات هذه البلاد ومجتمعاتها بأشكال مختلفة.

لذلك قد يكون طبيعياً أن يسأل بعض السوريين أنفسهم، وهم يتابعون الوضع في البلاد التي تحول ربيعها السياسي خريفاً، خصوصاً مصر، سؤالاً منطقياً للغاية وهو: أمن أجل مثل هذا ضحّى ما يقرب من سبعين ألفاً من أبنائنا بحياتهم حتى الآن؟ ولا يقل منطقية أن يسأل هؤلاء عن مصيرهم إذا أفلتت سوريا من الأسد لتقع بين يدي قوى متطرفة على نحو قد يغير طبيعة القهر الذي يتعرضون له، دون أن يلغيه أو يضع حداً له.

والأرجح أن هذا النوع من الأسئلة ازداد انتشاراً في الأسابيع الأخيرة نتيجة تفاقم الأزمة العامة في مصر بسبب السياسات التي تصر عليها سلطة «الإخوان»، وكان الاعتداء الذي شنته هذه السلطة على القضاء، وهو الأكبر في تاريخه الحديث والأشد خطراً، هو آخر الشواهد على أن مصر تعود إلى الوراء بخطى حثيثة، وأن التغيير الذي حدث فيها جعلها في وضع أسوأ مما كان عليه الحال في ظل نظام «مبارك».

وربما يكون استمرار نفوذ الجماعات المسلحة في ليبيا، خصوصاً الأصولية منها، بل تناميه على نحو يحول دون بناء دولة تعيد إلى شعبها حقوقه التي سلبها نظام القذافي، سبباً آخر لكي يسأل عدد متزايد من السوريين أنفسهم عما ينتظرهم بعد تضحياتهم الهائلة التي تفوق كل ما قدمه الليبيون والتونسيون والمصريون في ضوء ما تعانيه هذه الشعوب الآن.

وقد تكون الانتكاسة المخيبة للآمال التي مُنيت بها المعارضة السورية قبل أسابيع قليلة، جرّاء إقرار «جبهة النصرة» التي تعتبر أكبر أذرعتها العسكرية، تبعيتها لتنظيم «القاعدة»، بينما يتنامى نفوذ جماعة «الإخوان» في أوساطها السياسية، أكثر إثارة لأسئلة قطاع متزايد من السوريين عن المصير الذي ينتظرهم بعد الخلاص من نظام الأسد.

فقبل أن يفيق من تابعوا إعلان فرع «القاعدة» في العراق، الذي يسمى نفسه «دولة العراق الإسلامية» توسيع حدود هذه الدولة لتشمل سوريا، من ذهولهم، صدمهم إعلان زعيم «جبهة النصرة»، أبو محمد الجولاني، مبايعة الظواهري على السمع والطاعة في 10 أبريل الماضي. لذلك لم يغير من الأمر شيئاً تنصل الجولاني من إعلان «أخيه» في العراق أبي بكر البغدادي ضم سوريا إلى العراق في «دولة العراق والشام الإسلامية» لعدم استشارة «جبهة النصرة» بشأنه، وليس لرفضه من حيث المبدأ، خاصة بعد أن أعلن الظواهري مباركته هذه الخطوة كـ«مقدمة لدولة الخلافة».

وفضلاً عن الأسئلة التي لابد أن تثير حيرة أعداد متزايدة من السوريين، لا تخفى فداحة تأثير اعتراف «جبهة النصرة» بتبعيتها لتنظيم «القاعدة» ومبايعتها لزعيمه على وضع المعارضة في مجملها، كما على موقف القوى الدولية الكبرى.

ولا يخفى أن هذه الجبهة المرتبطة بتنظيم «القاعدة» بدأت في ممارسة السلطة فعلياً مع حلفاء لها في مناطق تسيطر عليها. ولا يقتصر ذلك على مناطق ريفية أو هامشية، بل شمل بعض أحياء العاصمة الاقتصادية حلب نفسها. فقد أقامت «جبهة النصرة» تحالفاً مع حركتين سلفيتين، هما «أحرار الشام» و«لواء التوحيد»، لإدارة مناطق عدة سيطرت عليها، من خلال شرطة تابعة لها و«محكمة إسلامية» وبعض الهيئات التنفيذية التي تشتد الحاجة إليها، خصوصاً تلك التي تعمل لحل مشكلة حرمان كثير من المناطق التي تخرج عن سيطرة النظام من الكهرباء. ولم تنس إنشاء هيئة تمارس «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بطريقتها الخاصة.

ورغم أن «الجيش الحر» الذي يمثل الذراع العسكرية للمعارضة الوطنية الديمقراطية، يسعى للتمايز عنها، فهو لا يملك إلا التعاون معها لأنها الأقوى، فضلا عن أن الأمر الواقع يفرض تعاوناً تكتيكياً وموضعياً هنا وهناك.

لقد بات واضحاً أن قدرة «الجيش الحر» العسكرية أقل مقارنةً بإمكانات «جبهة النصرة» التي صارت الأكثر تنظيماً وتسليحاً نتيجة الدعم العسكري والمالي الذي تتلقاه، فضلاً عن انضمام مقاتلين غير سوريين إليها وصل عددهم نحو عشرة آلاف وفق أدنى التقديرات. وهذا عدد كبير إذا صح أن عدد مقاتلي المعارضة كلها في مجمله يتراوح بين 130 و140 ألفاً.

لذلك تجد القوى الدولية الكبرى نفسها في وضع شديد الدقة، إذ يحرجها استمرار مذابح نظام الأسد ويقلقها تنامي نفوذ المتشددين في أوساط المعارضة المسلحة والسياسية. كما تشعر هذه القوى بحيرة متزايدة بين دعم «الجيش الحر» حتى لا يظل المتشددون هم الأقوى، والخشية من أن يصل هذا الدعم إلى أولئك المتشددين لأن الوضع على الأرض يجعل ضمان عدم تسرب السلاح من مجموعة إلى أخرى شبه مستحيل.

وقد حاولت واشنطن أخيراً التحايل على هذا الوضع الصعب عندما أعلنت تقديم ما اسمته معدات دفاعية لا تشمل أسلحة إلى «الجيش الحر». لكن هذا النوع من التحايل لا يتيسر إذا اقترب الصراع في سوريا من الحسم، مع استمرار تنامي نفوذ أتباع «القاعدة» عسكرياً وأتباع «الإخوان» سياسياً على نحو قد يجعل مصير المنطقة، وليست سوريا وحدها، مجهولاً.