المشرق نيوز تفتح ملف زواج الاسرى... زواج السّجون.. الفرحة التي تقهر القلب!

زواج السجون.jpg
زواج السجون.jpg

المشرق نيوز تفتح ملف زواج الاسرى... زواج السّجون.. الفرحة التي تقهر القلب!

غزة / خاص المشرق نيوز/ احمد السماك

قد يكون من العجيب أن تجد حبيبيْن قاوما احتلالاً بحبهما في يوم ما، لكن الأعجب من ذلك هو تفاخُر إسرائيل بأنها آخر احتلال قائم في العالم، وبأنها قتلت ولازالت تقتل أي شيء يُسعد الفلسطينيين العزل.  

تروي المشرق نيوز قصة حب فلسطينية نمت خلف القضبان، تفُوق بجمالها وألمها مسرحية روميو وجولييت للشاعر الإنجليزي العظيم وليم شكسبير.

بدأت القصة بعدما اعتقل الاحتلال عام 1999 الأسيرة المحررة منى قعدان (46 عام)، في سجن الجلمة شمال فلسطين المحتلة، بتهمة مساعدة "المطاردين" في جنين، لمدة 37 يوما، تعرضت حينها لأنواع العذاب كافّة.

كانت قعدان وقتها تتابع ملف الأسرى والمحامين في حركة الجهاد الإسلامي فرع جنين باسم "إم النور"، وهذا دفع الأسير إبراهيم إغبارية (52 عام) الذي كان ممثل حركة الجهاد في سجن شطة شمال فلسطين المحتلة، عن السؤال عن "إم النور" التي تعذبت في السجون لمساعدة "المطاردين".

زواج السجون 2.jpg
 

بعد أن أفرج الاحتلال عن قعدان، عادت لتمارس عملها بذات الكنية، وكانت تتواصل مع الأسرى أنفسهم في السجون ومع المحامين المكلفين بالدفاع عنهم، إذ كانت إدارة السجون تسمح للأسرى بالحديث على الهاتف لدقائق معدودة كل أسبوع تقريباً.

وهي تمارس عملها، هاتفت منى إبراهيم لسؤاله عن أحوال الأسرى، وقبل أن تنتهي المكالمة سألها الأخير عن منى قعدان، فارتبكت الأخيرة قليلاً من السؤال، فسألته لماذا؟ فقال إنه يريد الارتباط بها.

تقول منى لـ "المشرق نيوز": "فاجئني في الموضوع، هو ما كان يعرفني إلا باسم الكنية، وما كان يعرف اسمي الشخصي ولا بعرف شكلي، فقلت له سأخبرها في الموضوع. بعدها بدأت أفكر في الموضوع وحكيت لأهلي".

كان التردد والقلق سيد الموقف، فكيف ترتبط بإبراهيم الذي قتل ورفيقاه، أربعة جنود إسرائيليين في "معسكر جلعاد الإسرائيلي" عام 1992، وحُكم حينها بثلاثة مؤبدات و15 عاماً.

لكن شقيقها الأسير طارق والذي اعتقل 14 مرة، أخبرها أن إبراهيم رفيقه في النضال والسجون، وهو رجل مثالي، وستكون سعيدة معه.

وبعد تفكير وحيرة، وافقت منى على الارتباط به، وجاءت عائلة إبراهيم لعائلة منى وطلبوا يدها في نهاية عام 1999، وفق العادات والتقاليد، وقرأوا الفاتحة؛ ليكون الارتباط شرعياً.

حاول الجميع حينها أن يقدموا طلباً عبر المؤسسات الحقوقية، للاحتلال للموافقة على إخراج إبراهيم لسويعات لإبرام عقد القِران، لكنهم جوبهوا بالرفض كالعادة. وظل الهاتف هو الوسيلة الوحيدة التي يسترق بها الحبيبان بضع دقائق كل أسبوع مرة واحدة، ويتنصت عليهم جندي إسرائيلي مدجج بالسلاح.

اعتقل الاحتلال منى مجدداً عام 2004، لمدة 18 شهراً. وخلال اعتقالها لم تكن تتواصل مع إبراهيم إلا مرة في الشهر، وأحياناً يرفض الاحتلال أن يتحدثا مع بعضهما، فكانت تطمينات الأهل والرسائل المكتوبة هي البلسم التي تهدئ من نار شوقهما.

ثم اُعتقلت مجدداً في 2007 لعام كامل، وكان اعتقالها ادارياً. وعلى غير العادة، وافق الاحتلال على طلبهم لعقد القران بعد ثمانية أعوام من التقديم والمحاولة، دون معرفة منى.

وهنا تقول منى: " أخذوني بالليل على سجن الجلمة، وأخبروني أنهم سيأخذونني على المحكمة صباحاً، ونيّموني هناك، وطوال الليل وأنا أفكر لماذا سيأخذونني إلى المحكمة؟ أنا أساساً كان اعتقالي إداري ومعنديش محاكم، ما كنت عارفة أننا سنعقد القِران. في اليوم التالي أخذوني على محكمة الناصرة الشرعية، لما دخلت ما شفت إبراهيم كان أهله هناك فقط وأخبروني أنهم وافقوا على عقد القِران".

كانت هذه أول مرة تقابل منى إبراهيم منذ ارتباطهما منذ تسعة أعوام. تصف لنا منى المشهد وهم محاطون بجنود إسرائيليين مدجّجين بالسلاح: "المشهد لا يوصف، كيف بدي أقابل خطيبي لأول مرة وأهلي مش معي، كتير تأثرت... عاهدنا بعض نضل مع بعض على طول، حتى لو ما طلع من السجن أو أبعدوا خارج فلسطين".

زواج السجون.jpg
 

ثم أُفرج عن منى، لكن الفرحة لم تتم، فمنذ 2008 إلى أيّار/مايو 2011 لم تستطع منى أن تتحدث مع إبراهيم ولو لدقيقة واحدة، لأن الاحتلال منع الأسرى في سجن شطة من الحديث عبر الهاتف، فكانوا يكتفون مكرهين، برسالة ورقية ينقلها الأهل أثناء زيارته كل ثلاثة أشهر.

وما زاد الطين بلة، هو اعتقال منى مجدداً في أيار/ مايو 2011 مجددا، ثم أفرج عنها بصفقة وفاء الأحرار أكتوبر/ تشرين الأول بذات العام. لكن الاحتلال أعاد اعتقالها في 2012 لأربعة أعوام، وأفرج عنها في 2016 بكفالة مالية قدرها 30 ألف شيقل.

ومنذ 2008 إلى 2016 لم تستطع منى الحديث مع إبراهيم ولو لمرة واحدة.

وعن تقبل المجتمع لهذه المعاناة، تقول منى: "الألم الناتج عدم لقائي بإبراهيم أهون عليْ بكثير من كلام الناس. مثل: بيطلع ويتزوج ويتركك، وأنتِ كبرتِ بالعمر ومن هالكلام. طبيعة مجتمعنا هدّام؛ نادراً ما حدا يباركلي، على الأقل عشان يرفعوا معنوياتي كأسيرة".

وعلى الرغم من ذلك، إلى أنها قالت: "بنصح أي بنت لو تقدم لها أسير توافق. يمكن أنا وإبراهيم عايشين حياة أحلى من أي تنين وأنقى، لأنه من حق أي أسير أن يعيش حياته كإنسان له قيمته، حتى لو كانت عليه مؤبدات".

وقبل أن أغادر منى، سألتها إن كانت شعرت بالندم على قرارها فقالت: "لم يراودنِ الندم على قراري ولو لحظة وواحدة"، وأكدت لي أنها ستبقى وإبراهيم محافظيْن على العهد الذي بينهما.

ويوجد نحو 6500 أسيراً فلسطينيّاً يقبعون خلف السجون الإسرائيلية، منهم 63 امرأة، و350 طفلاً، وفق هيئة شؤون الأسرى والمحررين.