هل نحن أعشاب بشرية؟ بقلم/ توفيق أبو شومر

هل نحن أعشاب بشرية؟      بقلم/ توفيق أبو شومر
هل نحن أعشاب بشرية؟ بقلم/ توفيق أبو شومر

هل نحن أعشاب بشرية؟      بقلم/ توفيق أبو شومر

ليست هناك دولة في العالم تواظب على استعمال حضارات وآثار باطن الأرض لغرض خدمة جنسٍ واحد سوى دولة إسرائيل! فحضارات باطن الأرض في كل الأرض ملك للإنسانية جمعاء، فهي تُثبتْ تلاقُح الحضارات وامتزاج الأجناس، ولا يُستعمل تراث وحضارات باطن الأرض إلا لتعزيز التواصل بين الأجناس ودراسة حضارات مَن سبقونا من الأجيال الغابرة، ولا يجوز استعمال هذا التراث لخدمة العنصرية والتمييز العرقي! فالتراث والحضارات وسائل ربط بين الأعراق والأجناس، ولا يحق لإسرائيل أن تستعمل هذا التراث فقط صكوك طابو لأرض إسرائيل ! فما تزال قوافل الأثريين في إسرائيل يعملون ليل نهار، وهم يقودون جرَّافات الحركة الصهيونية، ويحملون معاول الأصولية الحريدية اليهودية،ويضيئون أماكن الحفريات بمشاعل من كُتب الشريعة الصفراء التي كتبها متعصبون للعرق والجنس النقي! فقد نشرت صحيفة الجورسلم بوست تحقيقا يوم 10/4/2013 حول اكتشاف حمام طقسي يستعمله الأصوليون للتطهير يسمى (المكفا) أثناء تشييد طريق في مستوطنة كريات مناحم في القدس، وقد قرر الأثريون إنه يعود لعصر الهيكل الثاني في القرن الثاني الميلادي، وأنه كان مخصصا (لمستوطنة) يهودية في المكان وفي التاريخ السابق!!!!! وأكمل الصحفي دانيال إيزنبود هذا الخبر وقال:  إن هذا الاكتشاف سوف يصبح مَعلما تراثيا يجلب ملايين الزائرين لمستوطنة كريات مناحم في القدس!! هكذا تمكن الأثريون الحكوميون الإسرائيليون من جعل باطن الأرض أيضا يخدم ظاهرها، ليدعم رواية المحتل، ويُبطل كل أوراق السكان الفلسطينيين الذين ولدوا فوق سطح أرضهم من سلالة آبائهم الذين تستقر بقايا عظامهم في الموقع الأثري نفسه، وربما أعمق من الحفريات بكثير!! وهكذا تعمل سلطة آثار إسرائيل بتناغُم مع حركة الاستيطان لتعزف الجوقةُ لحن أرض إسرائيل، ضمن أوبريت أرض الميعاد!!                                                 وفي الوقت نفسه، وفي المساحة الجغرافية نفسها تقوم جرافات فلسطينية، ترفع علم فلسطين بتخريب مواقع أثرية في غزة، بحجة أنها ضرورية لرجال المقاومة، وتصلح مخازن لأسلحتهم ، أو أنها تُخفف ضائقة السكن! ويبدو أن هدمنا وتخريبنا وتجريفنا لآثارنا الفلسطينية  يعزف لحن إسرائيل السابق، وإن كان يبدو بعيدا، فنحن حين نزيل من غزة المواقع الأثرية البيزنطية والرومانية بالجرافات كما حدث في معظم المناطق الأثرية، مثلما فعلنا في آثار شاطئ بحر دير البلح، عندما استولى كثيرون من ذوي النفوذ على تلك الأماكن ليقيموا فيها منتجعات لعائلاتهم، وكنتُ أبكي وأنا أرى الجرافات وهي تدمر الفسيفساء البيزنطية في المكان نفسه في منتصف تسعينيات القرن الماضي،؛ فإننا نعزف لحنهم بدون أن نشارك في جوقتهم الغنائية، فهم يدعون بأن كل ما تحت الأرض هو من إنتاج سلالتهم فقط، وليس للبيزنطيين والرومانيين والعرب أي أثر فيه، فنحن نوثِّق نظريتهم بتجريفنا للآثار الرومانية !! وهانحن اليوم في غزة أيضا نرى الجرافات مرة أخرى تدمر بقايا آثار رومانية أخرى تدحض عقيدتهم تقع شمال مخيم الشاطئ في غزة!  وكأن جرافاتنا تقول للباحثين الإسرائيليين، اكتشفوا وغيروا ورسخوا ما تزعمون أنه تاريخكم في عقول أطفالكم، أما نحن فسوف نساعدكم لأننا نقوم بمحو التاريخ الحقيقي لأرضنا، وهو التاريخ الذي لا يشير إليكم وحدكم ولا إلى جنس بعينه، بل يشير إلى كل الحضارات المتعاقبة والمتلاقحة والمتزاوجة،  أخشى أن تصل رسالتنا للعالم أيضا بصورة أخرى:  وهي أننا فقدنا ذاكرتنا ولم نعد سوى هياكل إنسانية وأعشاب بشرية!!!!