لم يجدوا قبراً جديداً تدفن فيه
فتاة غزة وضعت حداً لحياتها بغطاء الرأس.. غير آبهة بشهادة الثانوية
غزة/ أحمد المشهراوي- خاص بالمشرق نيوز
كانت عقارب الساعة تشير إلى الساعة التاسعة والربع مساءً يوم الاثنين الماضي، عندما نشب خلاف بين "ياسمين" البالغة من العمر "18" عاماً، وتنتظر نتيجتها في التوجيهي هذا العام، حيث تدرس في ثانوية مدرسة الزهراء للبنات بحي الدرج الفقير بمدينة غزة، أشهر الأحياء القديمة في قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من 11 عاماً من جميع اتجاهاته، عندما جاء خبر وفاة الفتاة الذي وقع كالصاعقة على العائلة.
وعن الواقعة، يروى الأب المكلوم بالقول: "ياسمين" كانت خارجة في زيارة عائلية في ذلك اليوم، وعند عودتها علمت أنه نشب خلاف مع والدتها، وأنا خارج البيت، وذلك مساء ذلك اليوم المشؤوم، الذي لم أنساه في حياتي، لما تركه من ألم على نفسي، وعلى إثر ذلك قامت الأم بكسر الهاتف الخليوي الخاص بها بضربه في الأرض، فأصبح حطاماً، ثم قامت بتأنيبها على تصرفها معها، وقد وصل الأمر إلى الضرب بمشاركة شقيقها الصغير.
و"يسرى" هي إحدى أخواتها الثمانية، ويأتي ترتيبها في العائلة الرابعة بين البنات إلى جانب الأخت الوحيدة الكبرى المتزوجة، بينما ينتظرن الباقون بيت الزوجية الذي يحلمون بأنه سينقلهم من عذابات الحياة وظروفها الصعبة، وللأخوات الثمانية، شقيق كبير متزوج وآخر صغير في المرحلة الإعدادية.
ويكمل الأب والدموع تكاد تتفجر في عينيه: " عندها قامت "ياسمين" بالذهاب إلى غرفتها داخل شقة اشترتها العائلة في بناية في الحي المذكور قبل عدة سنوات، وهي غاضبة وتتمتم بكلمات العصبية والضجر والضيق. ويشير بالقول: "دخلت الغرفة، واغلقت الباب بالمفتاح، وعلى ما يبدو انتظرت أحد يرضيها بكلمات كالمعتاد، فم تجد إلى ما آلت آليه، وبعد حوالي 15 دقيقة، قالوا شوفوا البنت.. يبدو أن البنت بتدلع وتوقعت منا لأن نلحق بها ونرضيها، ولكنني كمن خارج المنزل، وأمها مشغولة بالعجن مستغلة عودة الكهرباء التي تطل علينا 4 ساعات فقط في اليوم".
ويذكر الأب الذي لم يتمالك الحديث، قائلاً: " دقوا الباب لم يد أحد، ياسمين، ياسمين ردي علينا.. افتحي الباب لا يرد، اتصلوا على هاتف الوالد، جاء المسكين على عجل، وهو يحمل ظرف من البسكويت ابتاعه في طريقه ليرضيها، ويحول حالة الحزن لديها إلى فرح، ولو مؤقت، وذلك في ظل الصعوبات التي تعيشها غزة.. دق على الباب مرات ومرات، لا احد يرد، ينادي الأب من قلب مجروح افتحي الباب يا باب، وعندما يأسوا من الإجابة، حاولوا أن يفتحوا الباب فلم يتمكنوا، حاولوا بالمفك (أداة لفلك البراغي) دون جدوى.
كانت المفاجأة، بل الصاعقة أمام أفراد الأسرة جميعاً، عندما فتحوا الباب، وجدوها معقلة بغطاء الرأس، وهو منديلها مربوط في السرير العلوي، حيث تعتمد العائلة على الأسرة المكونة من طابقين لعدم وجود متسع داخل البيت، ليتحول البيت إلى كابوس مظلم ألقى بكلكله على أرجاء البيت، لتنقل إلى المستشفى جثة هامدة.
ويشير تقرير الطب الجنائي، إلى أن الفتاة أصيبت بكسر في فقرات العنق نتيجة تعلق رقبتها من علة، حيث دخلت في غيبوبة، وعندما لم تجد من ينقذها توفقت (رحمها الله) كانت صدمة قوية كبيرة للعائلة التي لا يزلن يرفض شقيقاتها يرفضن دخول غرفتها بعد خمسة أيام من وفاتها، بعدها جرى الصلاة عليها في مسجد الحي بمشاركة المئات، ونقلت على الأعناق، لتدفن في قبر قديم إلى جوار جدتها التي توفت قبل نحو 13 عاماً، في مقبرة قديمة لعدم تمكن العائلة من شراء فبر جديد لها يصل غلى 120 دينارً.
رحلت الفتاة "ياسمين" من حياة صعبة مريرة أصعب من طعن العلقم، إلى قبر يكاد لا يتسع لها من قدم أحجاره والترب الملتف حوله.. مسكينة "ياسمين" حتى في موتها لم تجد قبراً كباقي أقرانها، رحلت وغابت عن الشقة التي تضيق بساكنيها، لكنها خلفت خلفها أب مكلوم، وأم لا تقوى على الكلام، وأخوات عاشوا إلى جانبها يتقاسمون لقمة الغداء والعشاء والفطور الذي يكاد لا يتغير.. رحلت وهي تشكو إلى الله ظلم الظالمين الذين ضيقوا على أهل غزة، وحاصروها، الحصار الذي عمد منذ أكثر من عقد قتل الأمل في عيون أبناء غزة، لكن بقي خلف شفتين عضها الجوع، بسمة مختفية تنتظر يوم الخلاص من الحصار والعتق من الاحتلال.