أوباما.. وهواننا على انفسنا! عبد السلام شهاب - مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية

أوباما.. وهواننا على انفسنا!  عبد السلام شهاب - مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية
أوباما.. وهواننا على انفسنا! عبد السلام شهاب - مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية

أوباما.. وهواننا على انفسنا!

عبد السلام شهاب - مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية

مرت ولايته الأولى ولم يفعل سوى توفير كل الدعم والعون لإسرائيل والتنكر للحق الفلسطيني، وقالوا انتظروا ولايته الثانية لأنه سيكون أكثر تحرراً من الضغط اليهودي، وينسجم مع قناعاته ويمارس ضغطاً على حكومة نتنياهو للوصول الى حل القضية الفلسطينية، وها هي تأتي الردود من واشنطن "خفضوا توقعاتكم فليس لدى الرئيس حلول سحرية"، "الرئيس جاء للاستماع من الأطراف، وليس لديه خطط، فالحكومة الاسرائيلية غير مستعدة لتقديم تنازلات في هذه المرحلة"، والرسالة الى الفلسطينيين "واصلوا الانتظار الى أن تتهيأ مرحلة يجود عليكم الاسرائيليون فيها بشيء"، هكذا واصلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بيع "الأكاذيب" والأوهام على شعوب المنطقة ودولها للسيطرة على مشاعرها وردّات فعلها، ومن السخرية انه في عهد الرئيس الذي تحمس كثيرون لفوزه في الانتخابات وعلقوا آمالاً كبيرة على شخصه وسياساته، كان أكثر الرؤساء الامريكيين فتوراً ولامبالاة بشان المسألة الفلسطينية.

 يحسن الرؤساء الأمريكيون استخدام الموضوع الفلسطيني وفق ما تقتضيه مصالح الولايات المتحدة القريبة والبعيدة، الإدارات الأمريكية اتخذت القضية الفلسطينية عنواناً للتلاعب بمشاعر العرب والمسلمين حينما أرادت أن تشن حروباً على دول المنطقة؛ كما حصل مع أفغانستان والعراق، وسرعان ما غيرت جلدها وتنكرت لوعودها. الرئيس أوباما في بداية ولايته الأولى وكراهية الشعوب العربية والاسلامية لأمريكا قد وصلت الذروة بسبب احتلال العراق وفظائع الجيش الأمريكي هناك، عرف كيف يسيطر على المشاعر حين اختار أن يتوجه بخطابين متتاليين من اسطنبول والقاهرة الى العالم الاسلامي والعربي؛ تحدث فيهما عن صفحة جديدة للتعامل مع شعوب المنطقة، وبالأخص معالجة الظلم التاريخي الذي حل بالفلسطينيين ووقف الاستيطان، بعد أن طال الانتظار وفي ظل ثورة الربيع العربي التي اطاحت ببعض أنظمة الحكم الأكثر ولاءً للغرب وعداء لأحلام الشعوب، والتي ظن الجميع انها مدعاة لأن تفكر أمريكا بعمق في مصالحها وتقيم سياستها التي اتسمت بالنفاق والازدواجية في التعامل مع قضايا المنطقة خصوصا القضية الفلسطينية.

تأتي الاشارات من واشنطن لتصفع كل من أحسن الظن يوماً بأمريكا ورئيسها الذي قيل انه مختلف عن أسلافه؛ لدرجة ان بعض الكتاب والاعلاميين في الصحف الاسرائيلية الأكثر قلقاً على مستقبل دولتهم  في ظل سيطرة حكومة يمين متطرف، يعربون عن احباطهم وقلقهم من تكيف الادارة الامريكية مع حكومتهم واهمالها التام لواقع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال. المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس" تسفي برئيل يقول ليس عند أوباما ما تنتظره منه الشعوب، لقد خان القيم التي خولته بجائزة نوبل للسلام، سيكتفي بشعارات ولن يقدم رؤيا عملية لتحقيق هذه الشعارات. ويضيف الكاتب: "لماذا لا يعلن على الأقل اعتراف الولايات المتحدة بـ دولة فلسطينية على حدود عام 67؟، ويقدم خريطة تتضمن حدود كل من "الدولتين"، ويشكك الكاتب في ان الرؤساء الامريكيين يؤمنون حقاً بأن الصراع العربي الاسرائيلي يهدد مكانة الولايات المتحدة.

اللافت أن التسريبات عن المحادثات بين الجانبين الأمريكي والاسرائيلي في إطار التمهيد والترتيب للزيارة مثلت استهتاراً صارخاً بالقضية الفلسطينية وبالعرب والمسلمين، فالمباحثات جرت بحسب وسائل الاعلام عن "مكرمات" يمكن أن تقدمها حكومة الاحتلال إكراماً لأوباما - أو بحسب الاعلام الاسرائيلي "سلة أوباما" - مثل افراج عن أسرى قدماء، تخفيف حواجز، نقل أراضي من ج الى ا. بمعنى أن مركز الجدل بين الجانبين الامريكي والاسرائيلي دار حول مدى موافقة دولة الاحتلال على الاستجابة لـ "المكرمات" ، وبحسب صحيفة "هآرتس" فإن "المكرمات" الاسرائيلية هي أقصى ما يمكن أن يتوقعه أي زعيم أمريكي.

نفاق الرئيس أوباما وتملقه أثار اشمئزاز كتاب اسرائيليين لامعين، جدعون ليفي يقول: "لقد تجاوز أوباما حدود الدبلوماسية وهو يتملق اسرائيل دون أن يطلب منها مقابل،" ومضي يقول: "قال أوباما انه يجل الشعب الاسرائيلي.. أي قيم تلك التي يجلها: هل سلب الفلسطينيين انسانيتهم يمثل قيمة، أي قيم تلك وهو يعلم أن الحديث عن واحدة من أشد الدول عنصرية مع جدار الفصل العنصري وكل ظاهر التمييز العنصري الأخرى، لقد خان أوباما القيم الأساسية لحركة حقوق المواطن الأمريكية التي جعلت منه أعجوبة".

يقول البعض ان أوباما في بداية ولايته الأولى تجاهل اسرائيل وراح يقترب من العرب فكانت جولته الأولى في العالم الاسلامي، تركيا، السعودية، وخطابه في جامعة القاهرة الذي أبدى فيه تعاطفاً غير مسبوق مع القضية الفلسطينية، أما في ولايته الثانية فقد غير جلده وراح يتملق دولة الاحتلال. فما الذي تغير في الزمن الممتد بين خطاب القاهرة وخطابه الى دولة الاحتلال؟.

ثمة من يقول انه الارتهان الامريكي المعهود لكل الحكومات الأمريكية للمشروع الصهيوني وسياساته القائمة على الاستيلاء على كامل الاراضي الفلسطينية؛ وذلك بفضل النفوذ الكبير للوبي الصهيوني المتحكم بفواصل السياسة الامريكية، أو ما أسماه الرئيس أوباما نفسه "الوشيجة التي تربط أمريكا بالدولة اليهودية"، وهناك من يقول ان ذلك هو النتيجة الطبيعية لوضع القضية الفلسطينية في حجر الولايات المتحدة واستجداء وتسول الحلول؛ كل هذا صحيح لكن من الصحيح أيضاً ألا نغفل مسئولية العالم العربي والاسلامي نفسه.

ألا تشكل هذه الفوضى السياسية والاعلامية التي يعيشها العالم العربي - تحديداً الدول التي نجح فيها الربيع العربي في اسقاط أشد الدكتاتوريات ارتباطاً بالمصالح الأجنبية في مصر وتونس - أحد أهم الأسباب التي تجعل الكيان الصهيوني غير قلق مما يحمله المستقبل.

فهذا الواقع العبثي والحروب الكلامية والاعلامية الفاقدة لكل عقل ومنطق التي تصرف الناس وعواطفهم عن عدوهم الحقيقي، وخلق أعداء وهميين تحت عناوين مذهبية، وطائفية، وسياسية، وأيدولوجية بما يهدد ما تبقى من وشائج وحدة وتماسك مجتمعي، ويجعل الجميع لقمة سائغة في يد أمريكا واسرائيل، هذا الواقع العبثي يسهل على أمريكا أن تبتز الجميع، وتتلاعب بالجميع، وتدعى أنها حامية حماهم والمدافع عن ثرواتهم؛ كما صرحت وزيرة خارجيتها قبيل انتهاء ولايتها بحضور قادة مجلس التعاون الخليجي: "ان أمريكا صخرة الدفاع عن أمن الخليج"، فالعرب غير قادرين على حماية أنفسهم، وهم بحاجة الى صخرة أمريكا لتدافع عنهم.

وحينما تجد أمريكا أن بعض الأحزاب العربية تستخدم فلسطين لمحاصرة خصومها الداخليين وإضعاف نفوذهم، وما ان تتسلم الحكم وتجد نفسها غارقة في مشاكل اقتصادية واجتماعية لا نهاية لها؛ تجد نفسها مضطرة للارتماء في أحضان الغرب وأمريكا طلباً للمعونة والمساعدة الاقتصادية؛ بما يترتب عليه من ارتهان الإرادة، والقرار، والسياسة الخارجية، والأمنية.

لن ينفعنا كفلسطينيين وعرب أن نقف وراء الباب وننتظر أن يجود علينا أوباما بـ "هدية" ، كما لن ينفعنا أن نفضفض عن غيظنا وخيبة أملنا بشتم أمريكا ووصفها بـ "الشيطان الأكبر"، ما لم ننجح في بلورة سياسة تؤثر في حسابات أمريكا، ويجعلها توازن بين مصالحها في المنطقة وبين وقوفها الى جانب الاحتلال؛ فإننا سنراوح نجني الخيبة والفشل.

الامبراطورية الأمريكية شأن كل الامبراطوريات لا تحركها قيم أخلاقية في سياستها الخارجية؛ وإنما قيم عصابات المافيا، واسرائيل في كل حروبها معنا تعتمد على السوط الأمريكي، ابتداءً من الميزانيات الضخمة وصولاً إلى الأسلحة في اطار التزام أمريكي دائم بما يسمى "أمن اسرائيل". والحديث الأمريكي الذي نسمعه من آن لآخر عن أن دولة فلسطينية مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط لا يعدو عن نثر أكوام من الرمال في عيوننا تعمينا عن رؤية الحقيقة؛ فالولايات المتحدة هي المستفيد الأكبر من حالة عدم الاستقرار المتمثل في خلق النزاعات والصراعات بين كل مكوناتها، فضلاً على أن ذلك قد مكنها من بناء قوتها الهائلة.

إن أبسط حقائق التاريخ ان لا أحد يحترمك ان لم تحترم نفسك، أوباما وغيره لن يتعاملوا مع القضية الفلسطينية، ولن يعيدوا لنا حقاً الا ان وجدوا أن مصلحتهم توجب ذلك، واذا استمرت هذه السفاهة والصغار: عار انقسام فلسطيني، انقسام عربي، تفتت سياسي وطائفي ومذهبي، والفوضى السياسية والاعلامية فسنظل نراوح في مكاننا ونندب حظنا، يصدق علينا قول شاعر الحرية أبو القاسم الشابي:

 

 

إني أرى فأرى جموعاً جمة *** لكنها تحيا بلا ألباب

لعب تحركها المطامع واللهى *** وصغائر الأحقاد والآراب

موتى نسوا شوق الحياة وعزمها *** فتحركوا كتحرك الأنصاب

وإذا استجابوا للزمان تناكروا *** وتراشقوا بالشوك والأحصاب

فرحت بهم غول التعاسة والفنا *** ومطامع السلاب والغلاب