القلق على مصر بقلم ناجي صادق شراب

القلق على مصر  بقلم ناجي صادق شراب
القلق على مصر بقلم ناجي صادق شراب

القلق على مصر

بقلم ناجي صادق شراب

من حقنا جميعاً مواطنين عرباً أو أنظمة حكم، أن نقلق لما يحدث في مصر من حالة سياسية قد تكون غير مسبوقة في التحولات الثورية التي شهدتها نماذج تاريخية كثيرة . وهذا القلق يزداد أكثر على مستوى القضية والشعب الفلسطيني، والقلق أكبر على مستوى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الذي تربطه نافذة واحدة مع العالم الخارجي وهي بوابة رفح . وهذا القلق على المستوى الفلسطيني أولاً له مبرراته التاريخية والاقتصادية والسكانية . فلعل القانون التاريخي الثابت أن وضع فلسطين عبر كل مراحل التاريخ ارتبط بمصر قوية أو ضعيفة . وعلى المستوى السكاني هذا الارتباط العضوي بين من يعيش في قطاع غزة وبين ما يجري في مصر، لم يعد ارتباطاً معيشياً، بل أصبح ارتباطاً عضوياً، وخصوصاً بعد منح الجنسية المصرية لمئات الآلاف من الفلسطينيين . ولذلك دائماً العيون تتجه نحو مصر، وكل الدعاء الذي يخرج من منابر مساجده يدعو لمصر بالأمن والأمان .

وعلى المستوى العربي القلق له مبرراته الكثيرة التي تؤكدها حقائق التاريخ والمكان، وحقائق الدور، وأيضاً حقائق السكان . والمعادلة على المستوى العربي بسيطة وواضحة أيضاً، فمصر قوية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً تعني أن النظام الإقليمي العربي كله يكون قوياً ومتماسكاً، وقادراً على مواجهة القوى الإقليمية والدولية . فالمنطقة العربية ولأهميتها الاقتصادية والاستراتيجية هي منطقة مستهدفة تاريخياً، ولقد أدركت الدول ذات المصلحة وخصوصاً “إسرائيل”، أن أسهل الطرق هي تفكيك المنظومة العربية، وتحويلها إلى كيانات سياسية ضعيفة، وأيضاً الدول المجاورة إقليمياً تستهدف أيضاً الدور المصري لنزعها من محيطها العربي . بل والأكثر من ذلك نزعها من هويتها وشخصيتها الوطنية، باستنفاد كل قدراتها وإمكاناتها الاقتصادية، بل وجر المؤسسة العسكرية فيها وهي الأقوى في المنطقة إلى الدخول في مواجهة مع الشعب المصري بكل قطاعاته على غرار ما يحدث في سوريا، والهدف واضح هو إضعاف دور هذا الجيش، وقدرته على توفير الحماية لأمن مصر، ولأمن الدول العربية .

لا أحد يستطيع أن يتجاهل هذا الدور، مثلاً في حرب الخليج الأولى قامت مصر بدور كبير في تحرير الكويت، سواء بتفعيل دور الجامعة العربية، أو بإرسال قواتها إلى أرض الميدان . ولا مجال هنا لاستعادة الدور المصري الداعم على مستوى كل الدول العربية تاريخياً في اليمن والجزائر وغيرها . ما يجب التأكيد عليه هو أن مصر تمر بمرحلة من عدم اليقين، وهي على أعتاب الدخول في مرحلة الدولة الفاشلة، وعندها سيتفجّر تسونامي من الفوضى يجرف معه عدداً من الدول العربية، ويطيح بوجود الجامعة العربية، وما تبقى من كيانها الهشّ، وتدخل المنطقة كلها في سيناريو خطر من التفكك والانقسام، والتقوقع في كيانات قطرية صغيرة غير قادرة على حماية نفسها إلا بالتحول إما نحو دول إقليمية مجاورة كإيران أو تركيا، وإما بالتحول نحو الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، ولهذا التحول ثمن سياسي واقتصادي كبير، قد يدفع بشعوب هذه الدول إلى حراك ضد مثل هذه السيناريوهات . هذا السيناريو قد يكون أشبه بحالة من عدم اليقين، وقد يرفضه البعض، ويعدّونه مستحيلاً . لكن الحقيقة أن مصر ليست مجرد دولة عادية أو طرفية أو هامشية، هي دولة مركزية ومحورية في قلب النظام الإفليمي العربي والإسلامي، وهذا الدور بمنزلة بوتقة الاتزان لكل التحولات العربية . ولعلي لا أذهب بعيداً إذا قلت إن هذا القلق، وإن كانت له مبرراته عربياً وفلسطينياً، فهو أكثر قلقاً بالنسبة إلى شعب مصر، وهذا ما ينبغي أن يدرك الإخوان المسلمون والقوى السياسية الإسلامية خطورته على مصر وما قد تجلبه من تطورات قد تخرج بشكل نهائي عن السيطرة، وستكون الحركات الإسلامية أول الخاسرين .

وإذا ما افترضنا جدلاً وجود مشروع إسلامي متحضر ومنفتح، ونموذج قدوة، فالخسارة الأكبر ستكون على مستوى هذا المشروع كله، وفي النهاية الخسارة ستمتد عربياً وإسلامياً . وعلى “الإخوان” بصفتهم القوة الحاكمة الآن في مصر، والتي بيدها مقاليد التحكم في بوصلة الأحداث، أن يتخلوا عن استراتيجية النعامة التي تضع رأسها في الأرض وتعتقد أنها ترى ما يحدث، ولا أحد يراها، وأن يتخلوا أيضاً عن استراتيجية البطة العرجاء التي يتم التعامل بموجبها مع الأحداث التي تدور في مصر، فمثل هذه الاستراتيجية من شأنها أن تطيل الفترة الانتقالية، وتدفع في اتجاه المزيد من الانقسام والعنف المتبادل، وأن تسرع في الدفع بمصر نحو الدولة الفاشلة، وأيضاً التخلي عن استراتيجية عباس بن فرناس الذي أراد التحليق في الفضاء من دون قوة دفع ذاتية تضمن له النجاح، وهو ما نراه الآن . المطلوب العودة إلى استراتيجية الفلامنغو، أي التحليق الدائم، وهو فعلاً ما شهدته مصر في الأيام الأولى للثورة، الذي تم بفعل توافق ومشاركة كل القوى السياسية في مصر .

لابد من العودة إلى هذه المرحلة ولا بديل عنها لأن البديل هو ضياع دور مصر، والخطوة الأولى في استعادة دور مصر لابد أن تكون مصرية بالتوافق والمضي سريعاً نحو بناء نظام سياسي ديمقراطي يعيد إلى مصر هويتها أو مكونات هويتها الداخلية، وهي الهوية الوعاء التي تضم الهوية العربية والإسلامية والإفريقية وقبلها جميعاً هويتها الوطنية، وأيضاً هويتها الحضارية التاريخية . وأن تبعث مصر برسالة أمن وأمان لكل الدول العربية، وبعدها تأتي المبادرة العربية التي أتمنى أن تكون بإنشاء صندوق عربي مشترك يبعد مصر عن مرحلة الدولة الفاشلة، والعودة بها إلى دورها الطبيعي . هذا الخيار العربي الذي يذكرنا بمشروع مارشال الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، هو الحل والخيار الوحيد عربياً، وهو القادر على التصدي لكل محاولات الاستهداف والنفاذ إلى المنطقة العربية .