جريمة في حلوان بقلم: محمد سلماوي

جريمة في حلوان  بقلم: محمد سلماوي
جريمة في حلوان بقلم: محمد سلماوي

 

جريمة في حلوان

بقلم: محمد سلماوي

هي كارثة بكل المقاييس، بل جريمة وتخريب لتراثنا وتشويه لكل مظاهر الجمال فى حياتنا.. أتحدث عن مخطط تحطيم التماثيل والاعتداء على الأعمال الفنية أو الأثرية، سواء كانت تمثال أبوالهول أو تمثالى طه حسين وأم كلثوم أو تماثيل الحديقة اليابانية بحلوان. فوسط انشغال من أجهزة الإعلام بزيارة محمد مرسى للصعيد وبزيارة باكينام الشرقاوى لنيويورك وبزيارة عصام الحداد لألمانيا، ووسط تجاهل تام من الأجهزة المسؤولة، أو التى يفترض أن تكون مسؤولة، تم منذ أيام الاعتداء على تماثيل الحديقة اليابانية التاريخية بحلوان التى يعود تاريخها إلى أكثر من مائة سنة، منذ أهديت إلى مصر فى بداية القرن الماضى من دول تصورت أننا مثل كل الدول ذات الحضارة والتاريخ نقدر الأعمال الفنية ونحفظ التراث والآثار. والحقيقة أن مشهد الاعتداء كان محزناً لأنه يعبر عن نفسية مريضة تسعى للتدمير والتخريب، ولا يمكن أن يكون لديها مشروع لنهضة البلاد، فالنهضة لا تقوم على المصانع أو التجارة، وإنما تقوم أول ما تقوم على النهوض بالعقل والوجدان وعلى الارتقاء بالحس والفكر والروح، وحضارة الأمم لا تقاس بعدد محال البقالة أو السوبر ماركت وإنما بقيمة الأعمال الفنية والفكرية من الكتب والأبحاث والتماثيل النحتية والأفلام السينمائية. لقد اعتدى المخربون من ذوى النفوس المريضة الذين خرجوا من كهوف الظلام على أحد بقايا عصر مضى كانت فيه ضاحية حلوان مشتى دولياً يؤمه الناس من خارج الحدود للاستشفاء بمياهه المعدنية وبجوه الصفو وبخضرته ومناظره الطبيعية، وكانت الحديقة اليابانية هى رمز كل ذلك بمساحاتها الخضراء اليانعة وتماثيلها الفنية الجميلة، والتى نجت من كل الحروب فى مختلف العهود لكنها لم تنج من معاول من يدعون الانتساب للإسلام، ذلك الدين الذى أعطى العالم واحدة من أعظم الحضارات فى تاريخ الإنسانية. لقد قام هؤلاء المشوهون نفسياً بتحطيم رأس واحد من أجمل تماثيل الحديقة، كما فعلوا برأس طه حسين وبوجه أم كلثوم، وكأن وجه الإنسان الذى سواه الرب فى أفضل صورة هو شر ينبغى تشويهه وتحطيمه، والشر فى الحقيقة فى نفوسهم المريضة وليس فى صنيعة الرب ولا فى هذه الأعمال الجمالية. كذلك كسروا خراطيم كل تماثيل الأفيال المحيطة بالتمثال وتركوها دليلاً مشوهاً على خراب عقولهم وعلى غياب الشعور بالمسؤولية لدى من يحكموننا الآن، وهم غير قادرين على حماية أمن البلاد وغير عابئين بما يجرى من تخريب لتراثنا ولكل مواضع الجمال الباقية فى حياتنا.