رسالة الرئيس اوباما / بقلم د.نبيل عمرو

رسالة الرئيس اوباما / بقلم د.نبيل عمرو
رسالة الرئيس اوباما / بقلم د.نبيل عمرو

رسالة الرئيس اوباما / بقلم د.نبيل عمرو

هذه رسالة الى الضيف العزيز القادم بعد ايام الى منطقتنا الرئيس المثقف " باراك اوباما" ، يا سيادة الرئيس..- لقد اختلفت الروايات حول اسباب زيارتك واختلف كثيرون في وصفها، والمقلق في الامر ان اقلية ضئيلة تكاد لا ترى، علقت امالا عليها، فهل يا ترى من الجائز ان يقبل منطق ان رئيس اهم دولة في العالم قادم الى اخطر منطقة في العالم من اجل السياحة، وهل يا ترى يمكن ان نصدق ما قاله صديقنا توماس فريدمان من ان اكتشاف كميات هائلة من النفط الخام في امريكا دفع الرئيس اوباما الى ادارة الظهر للشرق الاوسط، وكأن هذه المنطقة التي هي مهد الديانات والحضارات هي مجرد خزان وقود يملأ الحافلات الامريكية، وان وجد بديل عنه فلا لزوم للمنطقة واهلها في حسابات الدولة العظمى وسياساتها المحلية والاقليمية والكونية.

ثم يا سيادة الرئيس ألست انت من بدأ رحلته في زعامة العالم بوعود المحبة والعدل والمساواة، فخاطبت شعوب المنطقة مشيعا الامل بعهد جديد بينها وبين امريكا، مبشرا بجهد لا يتوقف من اجل حل القضية المركزية التي هي ام القضايا في الشرق الاوسط ان لم اقل في العالم.

وانت يا سيادة الرئيس من تأثرت كثيرا وانت تشاهد اثار المحرقة النازية، وكل انسان لا يملك الا ان يتأثر بهذا المشهد المروع ، وكان تقديرنا وتقدير معظم الشعب الاسرائيلي، ان يكون هذا التأثر حافزا اضافيا لتحقيق سلام يمحو آثار كوارث القتل الجماعي سواء كان ضحاياه من اليهود او العرب او الانسان في اي مكان.

عرفنا يا سيادة الرئيس انك ستقطع المسافة من القدس الى رام الله، وهي تعد بالامتار وسترى ان قطعتها جوا او برا الواقع البائس لشعب انهكه الاحتلال، واوقف نموه الطبيعي وجعل حياته اليومية جحيما لا يطاق، ستذهب الى مدينة البيرة التي هي امتداد عاصمتنا المؤقتة رام الله، وستلتقي شبابا فلسطينيين يتحدثون اللغة الانجليزية بطلاقة ويقولون لك باللغة التي تفهمها جيدا ليس الا السلام العادل ما يجعلنا بشرا حقيقيين، وسيسألونك باي منطق يقبل ان يظل الفلسطينيون من دون البشر الذين يعيشون على هذا الكوكب، بلا دولة... بلا حقوق... بلا مستقبل...، ثم تنتقل الى رام الله لتلتقي القيادة الفلسطينية وتتناول وجبة تراثية لذيذة اعجبت كل زوارنا من الرؤساء والوزراء والمسؤولين الامريكيين، وستلمس توقا قويا لعودة الحياة الى عملية السلام المحتضرة، وتوقا اكبر لنجاح يرى، وليس لحفلة خداع ذات اسمها ....المفاوضات من اجل المفاوضات .

ليس مناسبا يا سيادة الرئيس ان نتوقف طويلا عند سؤال من المسؤول عن هذا الانحدار المروع للعملية السياسية، فنحن نثق بتقديراتك على ضوء تجربتك كما نثق بنائبك المحترم جو بايدن، والافضل من هذا كله ان ندع هذا الامر وراء ظهورنا ليس من قبيل النسيان، ولكن من قبيل ما هو اهم وهو محاولة فتح الافاق من جديد لسلام نستفيد في سعينا اليه من كل دروس الماضي .

لم تكن عشرون سنة مجرد وقت ضائع او عبث لا طائل من ورائه، لأن الوصف الدقيق لما حدث، هو ان عملية تاريخية بدأت وتعثرت، فكان ان تمادى هذا التعثر طويلا حتى اضحى مجرد التفاؤل بزيارتكم يا سيادة الرئيس امرا غير منطقي .

واذكرك يا سيادة الرئيس بما لا يمكن ان تنساه، وهو الموقف الامريكي من الربيع العربي. لقد توليتم مهمة توفير الغلاف الاخلاقي لأحداث وثورات هزت المنطقة وغيرت نظما وازاحت اباطرة وبدلت قوى، وها انت الان بعد اكثر من عامين مرت على الثورات الشعبية التي اجتاحت وما تزال اهم دول المنطقة، تأتي في زيارة للشرق الاوسط وكزعيم لدولة عظمى، فلابد وان يكون جدول اعمالك حافلا بالملفات الضخمة التي لا تتطلب استطلاعا وانما تتطلب معالجة.

 ماذا بشأن سورية الان وفيما بعد؟ ماذا بشأن العراق الان وفيما بعد؟ ماذا بشأن ايران الان وفيما بعد؟ وماذا بشأن مصر الان وفيما بعد؟ وعودة الى الدائرة الاضيق، السلطة الفلسطينية  الان وفيما بعد.اذا كانت السلطة الفلسطينية يا سيادة الرئيس هي استثمار دولي ، بمعنى انها محطة على طريق انهاء الصراع العربي الاسرائيلي، فهذه السلطة لن تظل الى ما لا نهاية، مجرد ادارة خدمات محدودة، وتحت ضغط الحاجة وقلة الحيلة، بل وقلة المسؤولية عن ما يفترض انها مسؤولة عنه.

ان الفلسطينيين يشكرون شعب الولايات المتحدة على ما قدم من دعم مادي للسلطة ومؤسساتها، ولكنهم يتطلعون الى ان يفضي هذا الاستثمار الى خلاصات توفر للشعب الفلسطيني حقوقه التي لا تتناقض مع الحرص على امن الشعب الاسرائيلي.

كثيرون يحاولون تصوير القضايا التي نشأت مؤخرا على انها جعلت قضية فلسطين في مرتبة متأخرة، وهذا تضليل سطحي يا سيادة الرئيس، فلقد تربت اجيال على ان هذه القضية هي القضية المركزية، وهيهات ان تلغى او تتراجع لمجرد انبثاق قضايا اخرى في اي مكان، لهذا ندعوك يا سيادة الرئيس الى بذل اقصى جهد في الشرق الاوسط وفي المسألة الفلسطينية الاسرائيلية تخصيصا فهي كلمة السر ونقطة البداية في امر الشرق الاوسط بأسره، كما انها تدل على رسالة مصداقية لسياسة ومنطلقات اقوى دولة في عصرنا.