قضية الأنفاق من أين وإلى أين؟ بقلم : طلال عوكل

قضية الأنفاق من أين وإلى أين؟  بقلم : طلال عوكل
قضية الأنفاق من أين وإلى أين؟ بقلم : طلال عوكل

قضية الأنفاق من أين وإلى أين؟

بقلم : طلال عوكل

ملف الأنفاق ينطوي على أبعاد سياسية قريبة وبعيدة المدى قضية الأنفاق التي تخترق من تحت الأرض حدود قطاع غزة الجنوبية مع مصر، اندفعت إلى واجهة الأحداث التي تثير لدى الغزيين الكثير من القلق، وأكثره لدى، الحكومة المقالة، وحركة حماس التي تعبر عن استيائها الشديد من الإجراءات التي يقوم بها الجيش المصري لإغلاق الأنفاق. هذه المرة، لا تحال الإجراءات المصرية إلى مؤامرة النظام كما كان الحال في السابق حين كان مبارك رئيساً، ولا يمكن فهمها على أنها مجرد إجراءات شكلية ذات أبعاد تكتيكية محدودة، وهي تطرح سؤالاً كبيراً، بل أسئلة كثيرة حول علاقة حركة الإخوان المسلمين في الحكم مع حركة "حماس" وحكومتها في غزة. أسهل التفسيرات المغرضة، تحيل كل هذه الأسئلة الإشكالية إلى تحميل المسؤولية للجيش، أو لجهاز المخابرات المصرية، لكن الحقيقة هي أن هذه الأجهزة كلها تعمل تحت سلطة الرئيس محمد مرسي، الذي ينتمي إلى حركة الإخوان المسلمين والذي بادر قبل بضعة أشهر إلى إجراء تغييرات في قيادات الجيش والمخابرات كجزء من تغييرات واسعة طالت مؤسسات أخرى. هكذا لا يمكن فهم الإجراءات المصرية ضد الأنفاق التي تعد حتى الآن شريان الحياة الرئيسي الذي يزود قطاع غزة بمعظم احتياجاته، بأن يجري اتهام أي جهة سوى الرئيس مرسي، ومؤسسة الرئاسة، فإن كان غير راض عن تلك الإجراءات بإمكانه أن يصدر قرارات مغايرة تؤدي إلى وقف عمليات هدم الأنفاق وإغراقها بمياه المجاري، ونحو تقديم حلول بديلة. عدم تقديم الحلول البديلة من قبل الرئيس المصري، وعدم تدخله في اتجاه مغاير لما يجري على الأرض، لا يعني بالتأكيد أن العلاقة بين حركة "حماس" إخوانية الانتماء، وحركة الإخوان في مصر، يمكن أن تتفاقم إلى حد الأزمة فالخلافات في هذه الحالة هي خلافات داخل البيت، ومعالجتها تتم في إطار الحوار الذي يخدم مصالح الطرفين. في الواقع فإن ملف شبكة الأنفاق، ينطوي على أبعاد سياسية قريبة وبعيدة المدى، تتصل بموضوع المصالحة الفلسطينية، وبالتزامات مصر، تجاه تفاهمات سابقة مع إسرائيل والولايات المتحدة، وتتصل بالسياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، وأيضاً بالمفاوضات غير المباشرة التي جرت بوساطة مصرية بين حماس وإسرائيل بشأن التهدئة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع في الرابع عشر من نوفمبر الجاري. الأنفاق يعود تاريخها إلى ما قبل اتفاقية أوسلو، وكانت تستخدم لتهريب الأشخاص، والمعدات القتالية، وقد اتسعت شيئاً فشيئاً، قبل وقوع الانقسام الفلسطيني عام 2007، وكان الجميع يعرف بوجودها، السلطة وإسرائيل ومصر، وكثير من الأجهزة الاستخبارية. تحولت الأنفاق إلى شبكة واسعة، ربما يزيد عددها عن ألف نفق تعددت أطوالها وأعماقها، ومواصفاتها إلى أن أصبح بالإمكان استخدام بعضها لدخول سيارات، وقد وقع هذا التوسع بعد وقوع الانقسام، وتحت عنوان فلسطيني، وهو مقاومة الحصار الإسرائيلي الظالم على القطاع، وتحت عنوان إسرائيلي، وهو فتح كل باب، وكل ثقب يمكن أن يُعمّق اندفاع القطاع، نحو الاعتماد في كل ما يحتاجه على مصر. بالمعنى الاقتصادي فإن إسرائيل تخسر جراء اندفاع القطاع في اتجاه الاعتماد على مصر، فالأراضي المحتلة تشكل ثاني أكبر سوق للبضائع الإسرائيلية، وتجبي إسرائيل من ورائها مليارات الدولارات، لكن الأصل في المسألة سياسي إذ إن إسرائيل يمكن أن "تضحي" ببعض المكاسب الاقتصادية لصالح تحقيق مكاسب سياسية وأمنية استراتيجية. إن دفع قطاع غزة نحو الانفصال الكلي عن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبقاء حال الانقسام بوجود نظامين سياسيين متخاصمين ومختلفين في قطاع غزة وفي الضفة يشكل إنجازاً تاريخياً لإسرائيل كما قال ذات مرة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس. إسرائيل تتصرف، ومستعدة للتدخل الفعال، وبشكل عدائي جداً لمنع، أي شكل من أشكال المصالحة الفلسطينية، ولم تتورع القيادات الإسرائيلية عن أن تتحدث عن ذلك صراحة وأمام وسائل الإعلام، ولذلك لا يمكن عزل الموقف الإسرائيلي من مسألة الأنفاق عن سياستها العامة تجاه قطاع غزة. وفي حين تثير الإجراءات المصرية الجدية لإغلاق المزيد من الأنفاق، القلق الشديد لدى قيادات حماس في القطاع وتثير الإرباك والقلق لدى المواطن الفلسطيني في غزة، خصوصاً في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي وعدم توفر بدائل عن الأنفاق، فإن إسرائيل تتطلع إلى أن تؤدي أزمة إغلاق الأنفاق إلى أن تبادر مصر لتوفير بدائل تنقل ما تحت الأرض إلى ما فوقه، وبما يضفي الشرعية على التعامل التجاري والاقتصادي بين القطاع وبين مصر. إذا كان حسني مبارك، لم يحتمل ترك سكان قطاع غزة يتضوّرون جوعاً كما أعلن في أحد خطاباته، فهل يعقل أن يسمح الإخواني محمد مرسي بأن يتحمل ما لم يتمكن من احتماله الرئيس المخلوع مبارك؟ قد تخلق الإجراءات المصرية بعض الاختناقات والأزمات وتثير الكثير من القلق، لكن إغلاق هذا الشريان سيفضي إلى واحد من حلّين، فإما المصالحة تؤدي إلى إعادة الأمور إلى نصابها، وأما أن مصر، ستضطر للاستجابة لطلبات حماس بشأن المنطقة الحرة، ونحو تحسين أسباب وعوامل التبادل التجاري والاقتصادي. في كل الأحوال من غير الوارد أن تبادر إسرائيل إلى معالجة هذه الأزمة من خلال رفع الحصار، أو فتح المعابر الستة التي أغلقتها ضمن سياسة فصل القطاع، ولكن في ضوء استبعاد مصالحة قريبة، فإن الأزمة الناجمة عن تدمير الأنفاق، ستطول قليلاً، لأن موضوع العلاقة بين حماس والإخوان أصبح جزءاً من حالة الصراع والخلاف الدائر في مصر، وربما ذلك يبادر أصحاب بعض الأنفاق إلى إعادة إصلاحها وتأهيلها وهو جزء من الإبداع الفلسطيني.