سباق بين الفوضى والحل العسكري بقلم : فيصل جلول

سباق بين الفوضى والحل العسكري     بقلم : فيصل جلول
سباق بين الفوضى والحل العسكري بقلم : فيصل جلول

سباق بين الفوضى والحل العسكري   

بقلم : فيصل جلول

مازال المشهد المصري يحتل أعلى الهرم في وقائع الشرق الأوسط، ويستأثر باهتمام غير مسبوق من أطراف عديدة خارج العالم العربي وداخله، تخشى أن تنزلق الثورة المصرية نحو الحرب الأهلية أو الفوضى العارمة أو الحل العسكري، وتتعزز المخاوف من الانهيار المصري الكبير إذا ما تأملنا بدقة روافد أزمة الحكم المصرية والوسائل القاصرة عن التصدي لها بنجاح .

 

تتفاعل أزمة الحكم وسط مشكلات اقتصادية مستعصية لا تتيح للدولة المصرية هامشاً واسعاً للمناورة، فالحكومة فشلت في الاقتراض الدولي، أما الاقتراض العربي فهو لا يكفي لحل المشكلة، هذا إن لم يكن سبباً في تعقيدها .

 

من جهة ثانية تكاد يد الحكومة تكون مغلولة في فرض ضرائب جديدة على الفئات الشعبية، أو تحرير بعض المواد الأساسية من الدعم الرسمي، أما الضرائب على الطبقات العليا فهي تنطوي على خطر هروب جماعي للرساميل، وبالتالي زيادة الأزمة تعقيداً، والراجح أن الحكومة وجدت أخيراً منفذاً صغيراً لتوفير مداخيل جديدة عبر الاكتتاب بسندات الخزينة، الأمر الذي يحتاج إلى اختبار حماسة المكلفين، ومعرفة مدى استجابتهم لخطوة تتطلب ثقة كبيرة بالحكم وبالاقتصاد المصري، وهي غير متوافرة إذا ما نظرنا إلى عصيان الشارع وإصراره على رحيل الرئيس مرسي .

 

وفي المجال السياسي، يبدو أن القطيعة تتسع يوماً بعد يوم بين السلطة والمعارضة، إلى حد يمكن معه القول إنها الوصف الأقرب إلى الواقع، خصوصاً بعد سلسلة طويلة من الأخطاء التي ارتكبها الرئيس من جراء إصرار حزبه على الانفراد بالحكم، بدلاً من البحث عن تجميع عناصر القوة لدى تشكيلات المعارضة والمجتمع المدني وتوظيفها في إنقاذ مصر في المرحلة الانتقالية من الفوضى بين نظام ولّى وآخر يحتاج إلى استقرار حتى يثبت أقدامه .

 

والواضح أن نجاح القمة الإسلامية في مصر لم يكن كافياً لطي صفحة الإحباط الشديد، بسبب السياسة الخارجية المصرية المشوبة أحياناً بخدع الهواة، كما هي الحال في ازدواجية الخطاب الرئاسي ضد “إسرائيل” علناً واسترضائها سراً عبر المبعوثين ورسائل التطمين، وأيضاً تجاه قطاع غزة، حيث ينتشر خطاب التأييد الرئاسي للمقاومة الفلسطينية، في حين يتم على الأرض تدمير الأنفاق أو إغراقها بمياه المجاري الصحية، علماً أنها تزود قطاع غزة بوسائل صموده . أما القول بأن معبر رفح مفتوح على مصراعيه أمام البشر، والمواد التي يحتاج إليها القطاع فهو بالكاد يخفي تفاهماً مصرياً  “إسرائيلياً” مفاده أن الطرفين يريدان التحكم بحركة المرور من غزة وإليها، ولا مصلحة لهما في أن يتحكم أهالي القطاع في نوع وحجم استيرادهم وتصديرهم وتسلحهم وتنقل مواطنيهم . والمذهل في هذا الباب هو افتخار وزير الخارجية المصري مؤخراً بافتتاح سفارة في الصومال، معتبراً أن ذلك يشكل انتصاراً لبلاده بعد قطيعة مع الصومال امتدت لعشرين عاماً .

 

ولعل الرافد الأمني هو الأخطر في الأزمة المصرية، حيث لا تفلح وعود رئيس الجمهورية بإقناع المصريين بمغادرة الشوارع والعودة إلى بيوتهم، كما لا تفلح الإجراءات القضائية الجزئية بتهدئة مدن القناة المكلومة من جراء مجزرة الاستاد الرياضي . وما يزيد الطين بلّة أن أزمة الثقة المستفحلة بين الشارع المصري والشرطة قد حملت قوى الأمن على التظاهر ضد الحكومة، الأمر الذي أدى إلى ارتجال خطوة غريبة تماماً عن المصريين، فقد طلب المستشار العام من الناس اعتقال المشتبه بهم في الحوادث الأمنية وتسليمهم إلى رجال الشرطة، بعبارة أخرى طلبت السلطات المصرية من شعبها أن يلعب دور القاضي والشرطي، الأمر الذي فسرته المعارضة بأنه الاسم الحركي لتقاسم استخدام العنف في الشارع مع ميليشيات إسلامية غير معلنة، وربما بلطجية وغيرهم، وأن هذا الخيار الارتجالي سيوسع انعدام الثقة بين الشعب والحكومة العاجزة عن ممارسة وظائفها الطبيعية .

 

تبدو روافد الأزمة المذكورة وغيرها عصية على المعالجة بالوسائل التي تعتمدها الحكومة، ما يعني أن الحل يحتاج إلى تدخل خارجي ليس بالضرورة عسكرياً بطبيعة الحال، وإنما عبر ضخ نصف دزينة من المليارات الأمريكية في الخزينة المصرية، أو إلى تغيير أساسي في طريقة حكم مصر وفي وسائل الحكم، وهذا يتطلب اعترافاً “إخوانياً” صريحاً بالأخطاء السابقة التي ارتكبت في التعاطي مع المعارضة والبحث معها، ومع مكونات المجتمع المدني عن صيغة حكم للمرحلة الانتقالية تنطوي على ائتلاف تاريخي لا يستبعد أحداً، ويعمل على إعادة إعمار الاقتصاد المصري، وإعادة بناء أجهزة الدولة الأمنية، وإعادة صياغة دستور جديد مناسب لكل المصريين وليس لفئة واحدة منهم، والابتعاد عن زج الجيش في المجابهة مع الشارع بدعوى فساد رجال الشرطة، فالجيش هو الملاذ الأخير لمصر والمصريين إذا ما قرر ساستها في السلطة والمعارضة استبعاد بعضهم بعضاً . . حتى الفوضى العارمة .

عن الخليج