الخط الساخن بين “الإخوان” والإدارة الأمريكية بقلم : عاطف الغمري

الخط الساخن بين “الإخوان” والإدارة الأمريكية  بقلم : عاطف الغمري
الخط الساخن بين “الإخوان” والإدارة الأمريكية بقلم : عاطف الغمري

الخط الساخن بين “الإخوان” والإدارة الأمريكية

بقلم : عاطف الغمري

هل كان هناك خط ساخن قديم، بين الإدارة الأمريكية والإخوان المسلمين؟

 

خلال فترة عملي لسنوات بالولايات المتحدة، مديراً لمكتب “الأهرام”، ومن خلال متابعة ما يقترب من شؤوننا في المشهد السياسي هناك، لاحظنا اتصالات تجري مع شخصيات من الأمريكيين الإخوان . . ومنعاً لسوء الفهم، هم مصريون هاجروا إلى الولايات المتحدة، وكانوا أصلاً منتمين جماعة الإخوان، وتجنسوا بالجنسية الأمريكية .

 

كانت الرسالة التي اهتموا بنقلها إلى الأمريكيين الذين اهتموا هم أيضاً بسماعها منهم، طمأنتهم، إلى أن الإخوان، لو حدث أن وصلوا إلى الحكم، فلن يقفوا في وجه المصالح الأمريكية في المنطقة، ومن المعروف أن عدداً من الإخوان المهاجرين إلى أمريكا، لهم أنشطة ومنظمات واستثمارات .

 

هنا نستعيد ما ذكرته هيلاري كلينتون في يونيو/ حزيران ،2011 من أن الولايات المتحدة، سوف تستأنف اتصالاتها Contacts التي كانت قائمة في السنوات الأخيرة مع الإخوان المسلمين .

 

وهو ما فسرته مصادر بوزارة الخارجية في واشنطن، بأن هذه الاتصالات، كانت قد تمت، خارج القنوات الرسمية للسياسة الخارجية، بدعوة من البعض بالمخابرات المركزية، ووزارة الخارجية، الذين دعوا إلى اتباع سياسة “ارتباط”، بالإخوان المسلمين .

 

هذه الاتصالات الاستطلاعية، اتخذت منحى جديداً وجدياً، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول ،2001 بعد أن انتاب القلق صناع السياسة الخارجية، نتيجة ظهور ترحيب في دول عربية، بما يفعله بن لادن، وهو ما أزعج دوائر صنع السياسة الخارجية . عندئذٍ بدأ يظهر مفهوم، مضمونه السعي إلى التعامل مع نموذج بديل للإسلام المعتدل، لموازنة التوجهات التي تميل إلى تقبل العنف .

 

وتحدث عن هذا المفهوم بشكل صريح، بول وولفويتز نائب وزير الدفاع في حكومة جورج بوش الابن، وأحد المفكرين البارزين لحركة المحافظين الجدد الذي اعتبر أن تركيا هي النموذج الأمثل للإسلام المعتدل .

 

وتقليدياً، كانت النظرة الأمريكية للتطورات السياسية في العالم، تقاس بقدرة أمريكا، على إبقاء هذه التطورات تحت السيطرة، بحيث لا تصبح نتائجها سلوكاً مستقلاً بذاته .

 

ويتفق ذلك مع طبيعة النظام السياسي الأمريكي الذي تتصدره مدرستان رئيستان للسياسة الخارجية، إحداهما تعرف بالمدرسة المثالية التي ينادي أصحابها بالهيمنة على العالم، ولو بالقوة، ويعد المحافظون الجدد، جزءاً من هذه المدرسة، وأغلبهم من الجمهوريين، ومنهم جورج بوش (الابن) . أما الثانية، فهي المدرسة الواقعية التي يرى أنصارها، بالسيادة النسبية لأمريكا، وبمشاركة آخرين، وبالوصول إلى ذلك من خلال ترتيبات، وتفاهمات، وعلاقات متبادلة مع دول أخرى .

 

ويتوزع أنصار هذه المدرسة على الحزبين، فمنهم من الجمهوريين جورج بوش (الأب)، وجيمس بيكر، وبرنت سكوكروفت، ومن الديمقراطيين بيل كلينتون وأوباما .

 

والمدرستان تختلفان على الوسيلة، لكنهما تتفقان على الهدف النهائي، وكيفية الوصول إليه .

 

لكن ذلك لا يمنع من أن تتوقف الولايات المتحدة، عن محاولة فرض الهيمنة، حين تجد أن ميزان القوى، يعمل لمصلحة الطرف الآخر، نتيجة امتلاكه القدرة على بناء بنيان اقتصادي متين في الداخل، ولديه استراتيجية أمن قومي للسياسة الخارجية، وهي أدوات من شأنها أن تعيق قدرة أمريكا على فرض إرادتها على الطرف الآخر .

 

وحين قامت ثورة مصر في 25 يناير، فإنها أوجدت أمام أمريكا حالة من عدم اليقين، فقد ظلت لا تعرف إلى أين سينتهي مسار الثورة، وهل ستجني مصر بعدها ثمار هذه المقومات؟ أو أن الأمر سينتهي إلى حالة من التشوش السياسي الداخلي؟

 

ومن أجل أن تستقر الولايات المتحدة على فهم ما يجري، فقد توافدت على مصر شخصيات عامة، ومسؤولة، ولوحظ بشكل خاص زيارات لهم إلى مقار الإخوان المسلمين، وعقد جلسات مع قادتهم، حتى ممن هم خارج الدائرة الرسمية للسلطة .

 

ولم تكن هذه اللقاءات مقطوعة الصلة، بما سبق، بل هي استمرار للاتصالات Contacts القديمة، للتأكد من الالتزام بما سبق أن وعدوا به . هنا، نتوقف أمام ما كتبه في أول فبراير/ شباط ،2011 بروس رايدل، رجل المخابرات الأمريكية المعروف باهتماماته بمنطقة الشرق الأوسط الذي عمل أيضاً مساعداً لوزير الدفاع في ولاية كلينتون الأولى، ثم بعد ذلك أحد مستشاري أوباما، للشرق الأوسط . فقد كتب مقالاً بعنوان: “لا تخشوا الإخوان المسلمين في مصر” . وقال إن الإخوان يمكن أن يكونوا البديل الأكثر مسؤولية في مصر . وهو مقال أثار جدلاً كبيراً في حينه، ورد عليه كتاب أمريكيون، معددين تاريخ الإخوان من بداياته .

 

إن ما كتبه رايدل، وما صرحت به هيلاري كلينتون، ثم ما ذكره جون كيري في يونيو/ حزيران ،2012 عقب لقائه الرئيس محمد مرسي، حين قال: “أثناء حديثي معه، وجدت أنه يفهم أهمية علاقة مصر بعد الثورة مع أمريكا و”إسرائيل”” . كل هذا يلقي الضوء على رخاوة الموقف الرسمي الأمريكي، إزاء ممارسات النظام في مصر، وتوالي أعمال العنف ضد المتظاهرين، وهو ما ظهر في تسجيلات فيديو مسجلة بالصوت والصورة، عرضت على شاشات قنوات فضائية .

 

إن أمريكا كانت قد وجدت نفسها في حالة من الارتباك الشديد، عقب ثورة 25 يناير، واتسم موقفها المبدئي، منذ 25 يناير وحتى 11 فبراير، بالميل إلى تأييد انتقال سلس للسلطة، إلى أحد رجال مبارك . وهو ما أفصح عنه بوضوح، نائب الرئيس جو بايدن . ثم تغير الموقف، إلى ترحيب بالثورة، بعد إطاحة مبارك، والتي قامت من أجل الديمقراطية، وهو ما كانت أمريكا تدعو إليه .

 

والآن هناك عنصران يحكمان موقف إدارة أوباما، الأول: أنها مع الديمقراطية، مادامت لا تتعارض مع المصالح الأمريكية .

 

والثاني: أنها وضعت في حساباتها، احتمالات، اضطرارها، إلى إعادة صياغة العلاقة المتبادلة مع مصر، على أسس جديدة في حالة إذا ما تطورت الأوضاع السياسية في مصر، بقيام نظام لديه رؤية استراتيجية، وخطة تنمية اقتصادية واضحة، تسمح للدولة خلال فترة قصيرة بأن تقفز إلى مرحلة الإمساك بزمام مصيرها، وامتلاك إرادتها، في علاقاتها الخارجية .

 

لكن انتظارها طال، نتيجة تفكك المشهد السياسي الداخلي، وغياب أي رؤية سياسية، واقتصادية، لإعادة بناء الدولة . ولما كانت القاعدة الأساسية، في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، هي أن أمريكا تضع يدها في يد من بيده السلطة، فقد كان تآلفها مع الإخوان، الطرف الثاني في الاتصالات القديمة والمتجددة، هو الأفضل لها، ولو مرحلياً .