صورة إيران لدى الرأي العام العربي... جيمس زغبي

صورة إيران لدى الرأي العام العربي... جيمس زغبي
صورة إيران لدى الرأي العام العربي... جيمس زغبي

صورة إيران لدى الرأي العام العربي... جيمس زغبي

غالباً ما تقارب الولايات المتحدة في نقاشاتها السياسية موضوع إيران وبرنامجها النووي من وجهة نظر المخاوف الإسرائيلية، متجاهلة كلياً المواقف العربية والإسلامية تجاه الملف النووي الإيراني، ولاسيما الدول المجاورة لإيران أكانت عربية، أو غير عربية. وإذا كانت معروفة العلاقة الإشكالية بين بعض الدول العربية وإيران، يكون من المهم معرفة موقف الرأي العام العربي نفسه. وللاقتراب من نظرة الشعوب العربية إلى إيران أجرينا على مدار العقد الماضي سلسلة من استطلاعات الرأي للتعرف إلى المواقف الإقليمية نحو إيران وسياساتها في المنطقة وصولاً إلى آخر استطلاع للرأي أجري نهاية عام 2012 وقد استطلعنا من خلاله آراء 20 ألف مواطن في 17 دولة عربية وثلاث دول أخرى غير عربية هي تركيا وأذربيجان وباكستان. وهذاالاستطلاع الذي شمل 20 دولة غطى عدداً من المواضيع والقضايا المهمة من قبيل الموقف من إيران والنظرة التي تحكم هذه المواقف إزاء الشعب والثقافة الإيرانييين، فضلاً عن الرأي حيال البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل.

وبمقارنة النتائج الأخيرة التي خلص إليها استطلاع الرأي في عام 2012 مع خلاصات استطلاعات الرأي السابقة تبرز تغيرات جوهرية في المواقف العربية والإسلامية تجاه إيران، وهذه الاستطلاعات تساعد على رصد العوامل التي يبدو أنها تقف وراء تحول الرأي العربي والإسلامي إزاء طهران، فعلى سبيل المثال عندما أجرينا استطلاعاً للرأي في عام 2006 حول رأي الجمهور حيال بعض القضايا المهمة التي تخص العلاقة بين إيران والعالمين العربي والإسلامي كانت نسبة شعبيتها عالية لدى الجمهور المستطلعة آراؤه، ففي تلك الفترة وصلت نسبة الشعبية إلى 75 في المئة، مع إعراب السعوديين مثلًا عن تأييد إيران بنسبة أعلى بلغت 85 في المئة. ولكن بعد ست سنوات من ذلك التاريخ انقلبت الصورة تماماً لتنخفض نسبة شعبية إيران بين المستطلعة آراؤهم إلى أقل من 25 في المئة، فيما انحدرت النسبة نفسها لدى السعوديين إلى 15 في المئة.

والحقيقة أن ما استخلصناه من استطلاعات الرأي في عامي 2011 و2012 أن المواقف الإيجابية السابقة إزاء إيران التي أعرب عنها جمهور واسع في العالمين العربي والإسلامي لا ترجع إلى إيران في حد ذاتها بقدر ما تُعزى إلى ردة فعل الشعوب العربية على تصرفات إسرائيل في المنطقة، بالإضافة إلى الاستياء الكبير من السياسات الأميركية في لبنان وفلسطين والعراق، وعززت من ذلك صورة إيران كمعارض لتلك السياسات، وكدولة تقول إنها تقف في وجه «المؤامرات الغربية». بيد أن ما تغير في عام 2012، والذي ربما يكون وراء تحول وجهات النظر الشعبية في العالم العربي تجاه إيران، هو عدم تدخل أميركا في شؤون الشرق الأوسط، فيما برزت إيران كبلد يلعب دوراً انقسامياً في العراق والبحرين ولبنان وسوريا.

وبالإضافة إلى ذلك كشف استطلاع الرأي الأخير وجود فجوة طائفية بدأت تتكرس في عدد من البلدان، مع معارضة سُنية واضحة لإيران وسياساتها الإقليمية، فيما يعبر الشيعة في البلدان المستطلعة آراؤها نفسها عن مواقف مؤيدة لإيران. وهذا الاستقطاب الطائفي الذي تعيش على وقعه منطقة الشرق الأوسط يُجمع العديد من المراقبين على أن لإيران دوراً في تأجيجه. ولكن على رغم ذلك تبقى هناك حدود لقدرتها على بسط نفوذها في الدول العربية بسبب الدور المهم الذي تضطلع به الثقافة والهوية العربيتان باعتبارهما عاملين موحدين رغم جميع خطوط التماس الطائفية في المنطقة.

وقد مر وقت ليس بالبعيد كانت فيه المواقف الإيجابية للشارع العربي تقف على النقيض من المواقف الرسمية للحكومات العربية، وهو ما دفع عدداً من المراقبين إلى القول إن مخاوف الحكومات والمسؤولين العرب من إيران لا تواكب مواقف الرأي العام.

والحقيقة أن مثل هذا التناقض ربما كان صحيحاً في عام 2006، ولكن بعدما أن تدخلت إيران في عدد من البلدان، ولاسيما سوريا التي كانت المسار الأخير في نعش النظرة الإيجابية تجاه إيران، بدأت الفجوة بين المواقف الرسمية ونظيرتها الشعبية في العالم العربي تضيق على نحو واضح، إذ يحمل اليوم معظم العرب والمسلمين آراء سلبية تجاه السياسات الإيرانية كما يعارضون بشدة تطلعاتها الإقليمية. والأمر نفسه ينطبق على البرنامج النووي الإيراني، إذ في الوقت الذي تراجعت فيه معارضة أغلبية عربية وإسلامية في عام 2006 ضد المشروع النووي الإيراني عندما كان يُنظر وقتها إلى إيران على أنها معقل لمقاومة الغرب نجد اليوم الأغلبية نفسها تبدي مخاوفها من برنامج إيران النووي. ففي السابق كانت أغلبية الرأي العام العربي والإسلامي تنظر إلى الطموحات النووية الإيرانية سواء كان لأغراض عسكرية، أو سلمية، على أنها موجهة ضد الغرب وإسرائيل، فيما اليوم يشير استطلاع الرأي لعام 2012 إلى انحسار التأييد في الأوساط الشعبية العربية لامتلاك إيران سلاحاً نووياً. وبدلًا من الوقوف إلى جانبها ضد الغرب أظهر استطلاع الرأي أن جزءاً مهماً من الشارع العربي يؤيد العقوبات الغربية على إيران إن هي مضت قدماً في برنامجها النووي، ولئن كانت أغلبية الرأي العام في العالمين العربي والإسلامي ما زالت تعارض أي تدخل عسكري غربي ضد إيران، إلا أنه حتى في هذا المجال ظهرت فئات تؤيد العمل العسكري ضدها. والخلاصة أنه عندما كان ينظر إلى إيران من زاوية السياسة الأميركية والإسرائيلية كانت تحقق مكاسب واضحة، ولكن عندما بدأ ينظر إليها من زاوية تدخلاتها الإقليمية فقدت إيران دعمها من لدن الرأي العام العربي والإسلامي.