أبو مازن والمصالحة.. حوار أم مفاوضات؟! / بقلم د. نهاد الشيخ خليل

أبو مازن والمصالحة.. حوار أم مفاوضات؟! / بقلم د. نهاد الشيخ خليل
أبو مازن والمصالحة.. حوار أم مفاوضات؟! / بقلم د. نهاد الشيخ خليل

أبو مازن والمصالحة.. حوار أم مفاوضات؟! / بقلم د. نهاد الشيخ خليل

يمكن القول: إن محمود عباس _ومن خلال مراجعة مجمل خطاباته وقراراته وسلوكه_ لا يدير حوارًا يستهدف تحقيق مصالحة تعترف بحقوق الآخرين، وإنما يُجري مفاوضات بهدف إعادة بناء قواعد اللعبة السياسية الفلسطينية الداخلية، بحيث تضمن له تخفيض سقف المواقف السياسية لحركة حماس، ومنع أي جهود يمكن أن تؤدي إلى إنهاء الحصار عن غزة قبل تحقيق هذا الهدف.

قد يرى بعضٌ أن هذا القول رجم بالغيب، أو محاكمة للنوايا، لكن متابعة توقيت لجوء أبو مازن إلى الالتقاء بحماس يكشف بوضوح صحة الافتراض السابق الذكر، وباختصار شديد سنستعرض أهم هذه التوقيتات:
أولًا: بعد أحداث يونيو 2007م استمر أبو مازن يرفض كل مبادرات الحوار، ويعلن باستمرار أنه "لا حوار مع القتلة"، وبقي يُصر على رفض الالتقاء بقيادات حماس.

ثانيًا: بعد أن تمكنت الجماهير الفلسطينية في قطاع غزة من فتح الجدار الفاصل بين رفح وسيناء، ودخول مئات الآلاف إلى العريش، وشراء الكثير من البضائع بمختلف أنواعها؛ حدثت بعض التحركات، ولكن الهدف منها كان تأكيد أن العنوان الفلسطيني الوحيد الذي يمكن الحديث معه بشأن كسر الحصار هو أبو مازن، أما حماس فلا حديث معها.

ثالثًا: بعد العدوان الإسرائيلي على غزة 2008- 2009م دارت جلسات حوار موسعة في القاهرة، لكن هدف أبي مازن من هذه الجلسات كان تبهيت صورة الصمود والانتصار الذي تحقق بفعل صمود الشعب وبسالة المقاومة، إضافة إلى إحباط جهود إعادة إعمار غزة بعد العدوان، أو رفع الحصار عنها، وربط إعادة الإعمار بالمصالحة.
رابعًا: بعد الفضيحة التي لحقت بي أبي مازن بسبب موقفه من تقرير (جولدستون)، ذهب إلى توقيع الورقة المصرية حتى يمتص الغضب الشعبي، ويلفت أنظار الناس عن تقرير (جولدستون)، ويذكرهم بالانقسام والمصالحة.

خامسًا: عشية الذهاب إلى الأمم المتحدة _سواء عام 2011م أم في عام 2012م_ ذهب أبو مازن للالتقاء بحماس؛ لكي يؤكد شرعيته، ووحدانية تمثيله للشعب الفلسطيني.

سادسًا: في أعقاب الجولة الرسمية التي زار فيها إسماعيل هنية عددًا من الدول العربية والإسلامية في مطلع 2012م، التقى أبو مازن في فبراير 2012م _بناء على طلبه_ حماس في قطر، وحصل على موافقة حماس على تولية رئاسة الحكومة، وكان هدف محمود عباس من هذه الزيارة تذكير كل الدول التي زارها إسماعيل هنية أن الجهة الرسمية الفلسطينية الوحيدة _وباعتراف حماس_ هي أبو مازن، لا أي شخص آخر.

سابعًا: بعد نجاح المقاومة في صد العدوان في نوفمبر 2012م، وارتفاع أسهمها فلسطينيًّا وعربيًّا ودوليًّا، لجأ محمود عباس إلى التقاء حماس والحديث عن المصالحة من جديد؛ لكي يحرم حماس استثمار نجاحها وتضحياتها وإبداعاتها في مجال المقاومة، وفي الوقت نفسه لكي يستثمر الموقف لمصلحة ذهابه إلى الأمم المتحدة.

نخلص مما سبق إلى أن محمود عباس اعتمد منهجًا واضحًا في توقيت لقاءاته مع حماس، يرتكز هذا المنهج على محاولة منع حماس من استثمار نجاحاتها سياسيًّا في مجال كسر الحصار، أو في الحصول على شرعية فصائلية لخطوات مثار جدل ينوي أبو مازن القيام بها على شاكلة توجهه للأمم المتحدة.

يُضاف إلى ما تقدم أن أبا مازن في كل مرة يذهب فيها إلى الحوار كان يقصد الحصول على شيء واحد فقط، رغم أنه كان يتفق مع حماس على جملة من الأشياء، فهو في لقاء القاهرة 2011م حصل من حماس على التجديد له رئيسًا للسلطة (وكانت ولايته انتهت في يناير 2009م)، وفي المقابل لم يُعطِ حماس شيئًا، وفي فبراير 2012م أخذ من حماس موافقة على ترؤسه الحكومة المنوي تشكيلها، وقبل ذلك وبعده أدخل أبو مازن الحوار في متاهة الإجراءات والآليات، والحديث عن انتخابات وحكومة، والخلاف يكون أحيانًا حول طبيعة الحكومة (تكنوقراط، كفاءات وطنية، وحدة وطنية، وفاق وطني)، ومرة أخرى حول الانتخابات (نسبية بالكامل، أو جزء نسبي وجزء دوائر).

لقد اعتمد أبو مازن في لقاءاته مع حماس سياسة الاتفاق على مجموعة أشياء، يأخذ منها شيئًا واحدًا يُثبِّته، ثم يعود في الجولة القادمة لفتح النقاش حول الأمور الأخرى، وهو يفعل هذا في الوقت الذي يمارس سياسة اعتقالات وتجفيف منابع وإقصاء منقطعة النظير في الضفة الغربية، ودعم للحصار على غزة، منتظرًا أن تأتيه حماس موافقة على شروط الرباعية الدولية، أي على البرنامج السياسي لمحمود عباس.

إن من يفعل هذا لا يحاور، بل يفاوض، وعلى الطريقة الإسرائيلية في المفاوضات مع (م ت ف)؛ لأن الحوار يعني جسر الفجوات، وتقريب وجهات النظر، أما الابتزاز والضغط والمراوغة، والاتفاق على أشياء ثم إعادة الحديث بشأنها من جديد، والجلوس على الطاولة، وفي الوقت نفسه العمل بشكل موازٍ على الأرض ضد مصالح الطرف الآخر؛ فلا يمكن أن يكون إلا مفاوضات على الطريقة الإسرائيلية.