في غزة .. ممنوعات من الجري .. ممنوعون من السفر..! / بقلم الصحفي أكرم عطالله

في غزة .. ممنوعات من الجري .. ممنوعون من السفر..! / بقلم الصحفي أكرم عطالله
في غزة .. ممنوعات من الجري .. ممنوعون من السفر..! / بقلم الصحفي أكرم عطالله

في غزة .. ممنوعات من الجري .. ممنوعون من السفر..! / بقلم الصحفي أكرم عطالله

منذ انقلابها الذي نفذته حركة حماس في قطاع غزة والذي أدى للانقسام بين شطري الوطن لم تبادر الحركة بعمل مسلح ضد إسرائيل، عدوانان كبيران نفذتهما إسرائيل على القطاع  بعد حكم "حماس" كانت دولة الاحتلال هي المبادر ولأسباب انتخابية كما كشفت الوثائق لكن منذ حكم "حماس" للقطاع كانت التهدئة هي من يحكم العلاقة بين الطرفين.

ل ينبع الأمر من رغبة الحركة بإرساء حكمها كأولوية سبقت كل الأولويات، أم لأن الحركة جزء من المنظومة الثقافية للحكم العربي والتي أكدت التجربة في العقود الأخيرة أن العرب حين يقودون يكونون أكثر ليناً مع عدوهم وأكثر شدة على شعوبهم بعكس ما كان يجب أن يكون، لأن نظرية الحكم في العالم العربي قائمة على ثقافة الحاكم والمحكوم – الوالي والرعية وليست مبنية على ثقافة الخادم والمخدوم وإلا كان الأمر مختلفاً تماماً والتاريخ أثبت قدراً هائلاً من المرونة والتودد للولايات المتحدة الأميركية بما فيها أنظمة الربيع العربي فيما كانت أجهزة الأمن تحصي أنفاس المواطنين لدرجة خوف أحد الشعراء من أن يخرج له واحد من الأجهزة الكثيرة والممتدة على مساحات الأوطان العربية من فنجان قهوته.

سامي أبو سالم صحافي من قطاع غزة فوجئ على معبر رفح بمنعه من السفر، كرر التجربة مرتين وفي كل مرة كان يطلب منه إذن يسمح له بالسفر من مكتب الصحافة الحكومي وحين تواصل مع ذلك المكتب نفى مديره بغضب علاقته بهذه التهمة لأنها ستضعه في خانة الأجهزة الأمنية، وفي إطار خلافها السياسي مع حركة فتح مارست حركة حماس هذا النوع من العقاب آخرهم آمال حمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح مع اثنين من الصحافيين الراغبين بالتوجه لمصر.
انتظر الناس طويلاً زوال الاحتلال الذي كان يتحكم بالمعابر ويمنع الجزء الأكبر من سكان قطاع غزة من مغادرة القطاع سواء بقيود السن أو من يشتبه بعلاقته بالأحزاب والقوى الفلسطينية أو على سبيل الابتزاز هذا مفهوم، لكن أن يتحكم الفلسطيني بالمعابر ليمنع فلسطينياً من السفر دون قرار النيابة لأسباب لا تتعلق بالمحاكم الجنائية هذا مدعاة لتساؤل كبير ولمراجعة أكبر يأمل الفلسطينيون أن يتم إلغاؤه فيكفي أزمة المعبر نفسه التي تحول دون سفر كثير من الراغبين بالسفر وحين تتهيأ الفرصة لمواطن يجد نفسه ممنوعاً بقرار فلسطيني ..!

على مدى سنوات حكمها للقطاع حاولت حركة حماس أن تفرض رؤيتها المختلفة مع كثير من سكان غزة وخصوصاً برنامجها الاجتماعي سواء بمحاولتها فرض زي على المحاميات أو أزياء الطالبات أو برامج ما سمتها الفضيلة، حاولت تنميط المجتمع وفقاً لثقافة معينة وإن كانت هذه الثقافة تتعارض مع تعددية سكان القطاع الذين يسمع رفضهم لهذا التشدد، وربما كان الاعتراض الأكبر على نمط إدارة الحركة لغزة هو المشاركة الاحتجاجية الكبيرة في ذكرى انطلاقة حركة فتح لم تقرأ رسالته داخل حركة حماس.

الأسبوع الماضي أعلن عن إلغاء ماراثون الركض الذي تنفذه الوكالة للعام الثالث على التوالي في القطاع. وكان سبب الإلغاء رفض حكومة حماس مشاركة النساء في الماراثون، فقد تم إجراؤه خلال العامين السابقين ووفرت حكومة "حماس" كل متطلبات الأمن وما يكفي من التسهيلات لإنجاحه، لكن هذا العام تم إبلاغ الوكالة بموقف الحركة المتشدد. وهذا أيضاً مدعاة للتفكير والتساؤل إن كانت حركة حماس تحكم وفقاً للقانون أم خارج القانون فقد انتخبها المواطن لتنفيذ القانون لا لتفصيل قوانين جديدة لم تكن هذه هي العقد بينه وبينها.

المبرر الذي قدمته الحركة ويسمع على لسان أكثر المدافعين عن قرارها هو أن "مشاركة المرأة مخالفة لتقاليد شعبنا" وهي ضد الاختلاط! ففي هذا خطر كبير حين تقرر جهة سياسية تلك التقاليد أو تعتقد أنها الوصية على الشعب وليست خادمته، فالتقاليد أولاً مختلف عليها بين الناس  ولها علاقة بالتراث والأكل والملبس وغير ذلك والأساس في العلاقة بين السلطة والمواطن هي الحرية، وإذا ما أعطي لأحد أن يسير الناس وفقاً لما يراه سنسمع ملايين الآراء، لهذا وجد القانون ليضع حداً لأمزجه البشر والتقاليد يحميها المجتمع ويحاسب من يتجاوزها بالنبذ الاجتماعي وليس تلك وظيفة النظام السياسي. وثانياً إن العادات والتقاليد هي عامل متغير بتغير الزمن فالحياة كائن حي والسلوك الإنساني يتغير تبعاً للزمان والمكان. ففي عشرينات القرن الماضي كانت مقولة شائعة لدى نساء فلسطين "المرأة لا تخرج من بيتها سوى مرتين في حياتها مرة حين الزواج ومرة حين الوفاة".. هذا كان تقليداً وقد تغير، نرى أن المرأة تخرج كل يوم من بيتها للعمل، والاختلاط هو الشائع وإلا لما وجدنا سيدات في المؤسسات الحكومية والوزارات في حكومة "حماس" أليس هذا اختلاطاً ؟ 

المثال الآخر أن مهنة الصحافة في فلسطين بداية القرن الماضي كانت مهنة منبوذة، كان يخجل أهل الصحافي من مهنة ابنهم وكان المجتمع يعتبرها مهنة وفضح الناس وكشف مساوئهم ومهنة النميمة عليهم وتحولت في فلسطين إلى مهنة محترمة يتودد كل السياسيين للصحافيين .. هذا كان عادات وتقاليد ..!

فالعادات والتقاليد مختلف عليها وهذه سمة البشر فإذا كانت تيارات الإسلام السياسي تختلف على تفسير الآيات القرآنية وإلا بماذا نفسر كل هذا العدد الهائل من التيارات التي تشعر كل جهة فيها أنها تمثل الإسلام الحق ..؟ وإذا كان الاختلاف في دين بهذا الوضوح المتميز بالثبات فكيف يمكن التعايش في مجتمعات على قدر من التعدد والتنوع ووظيفة نظام الحكم أن يحمي هذا التعدد لا أن يفرض قيوده ورؤيته على المجتمع لإلغاء التنوع لا أن ينصب نفسه وصياً على أخلاق البشر.

هذه السنة كان سيكون الماراثون هو الأكبر ويشارك فيه عداؤون دوليون ومتضامنون منهم 119 امرأة وكذلك أكثر من 550 فلسطينياً بينهم 266 امرأة بالإضافة لـ 1600 طالب وطالبة، وبعيداً عن القانون تفسر "حماس" أن هذا مخالف لعادات شعبنا.

خسارة أن لا يتم التوصل لتوافق لإنجاح هذه التظاهرة التي كانت ستسلط الأضواء على غزة وأزمتها، والأهم أن هذا الإلغاء اعتبر فرصة لكل المتربصين بحركة حماس فحجم وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية وحتى الصينية اهتمت على غير العادة بما حدث وسلطت عليه من الأضواء بما فاق العدوان على غزة كما قال عدنان أبو حسنة الناطق باسم الوكالة كل ذلك لإبراز أن تجربة الإسلاميين هي استنساخ لتجربة طالبان في الحكم وهي ضد الحريات..       

المشكلة أن هذه الصدمة أتت في اللحظة التي أصبح العالم مهيأ لتغيير موقفه منها ..وهو على وشك أن يتخذ مواقف مختلفة فهي لا تعرف حجم الضرر الذي لحق بصورتها بعد، فهل ستقبل حركة حماس مساواتها بحكم طالبان .. قبلت أم لم تقبل المهم أن الشعب الذي تحكمه يحتاج إلى الحرية والسفر والى مرونة أكبر وأن تكف عن اعتباره قطيعاً من البشر وأنه بلا  أخلاق وهي الوصي عليه..!  
Atallah.akram@hotmail.com