تقاطعات الخطوط الساخنة في المشهد المصري بقلم : ممدوح طه

تقاطعات الخطوط الساخنة في المشهد المصري  بقلم : ممدوح طه
تقاطعات الخطوط الساخنة في المشهد المصري بقلم : ممدوح طه

تقاطعات الخطوط الساخنة في المشهد المصري

بقلم : ممدوح طه

قال الفريق صدقي صبحي رئيس الأركان المصري لرويترز في أبوظبي: "لسنا سياسيين.. ولا نريد أن نشارك في الوضع السياسي، لأننا عانينا كثيراً من هذا خلال الأشهر الستة الأخيرة، لكننا في بعض الأحيان يمكن أن نساعد إذا أصبح الوضع أكثر تعقيداً".

 

ورغم عزوف الجيش المصري عن تصدر المشهد السياسي، ورغبته في القيام بمهامه العليا النبيلة في حماية الأمن القومي المصري، شهدت محافظات مصر حملة شعبية وسياسية لافتة للأنظار لدعم المؤسسة العسكرية، في أعقاب تصريحات لقيادات إخوانية مثيرة للاستهجان الشعبي، تحمل اتهامات ظالمة للجيش المصري، حرص مرشد جماعة الإخوان على التراجع عنها، وشائعات مغرضة عن إقالة الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة، حرصت المؤسسة الرئاسية على نفيها!

 

وتأتي مشاهد هذه الحملة الشعبية، التي انضمت إليها عشرات الأحزاب السياسية، ممثلة في "جبهة الإنقاذ" التي أعلنت عن نفسها مؤخراً، والتي تضم ثلاثين حزبا مصريا، لتمثل انقلابا للمشهد الغريب والمريب، الذي ظهرت فيه فصائل معينة ذات لون ورائحة تنتسب للثوار بالهتاف، ضد الجيش وقياداته احتجاجا على إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لشؤون البلاد في الفترة الانتقالية!

 

وتناسي هؤلاء أنهم ظلموا الجيش وقياداته مرتين"؛ الأولى عندما طالب الثوار المجلس الأعلى للجيش بأداء الثوار، بينما الجيش لم يقم بالثورة ولكنه حماها، ولم يشكل من مجلسه الأعلى مجلسا لقيادة الثورة.. والثانية، أن القوى السياسية توقعت منه أداء سياسيا محترفا، بينما هو جيش وطني عسكري محترف وليس حزبا سياسيا!..

 

وأن قيادات القوات المسلحة المصرية تولت إدارة شؤون البلاد بعد انهيار سلطات الدولة، بأمانة ودون رغبة في الحكم، وحملت كرة النار في صبر على المكاره لحماية مصر من أخطار الحرب الأهلية أو التدخل الأجنبي، وهي التي وضعت خارطة طريق واضحة للانتقال من الثورة إلى الدولة بالإعلان الدستوري، ونظمت أول انتخابات برلمانية ورئاسية تعددية حرة، رغم ما لقيته من جحود ونكران من بعض الحركات السياسية والإسلامية، ومن بعض الساسة والمثقفين!

 

فما معنى أن ترتفع الدعوات الشعبية وتتعالى الصيحات السياسة وتحرر التوكيلات الشخصية على مدي الأسابيع الستة الماضية، لقيادة لقوات المسلحة بالعودة لإدارة شؤون البلاد من جديد لفترة انتقالية، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وصياغة دستور جديد للبلاد؟!

 

هل تلك دعوة جدية ورغبة شعبية حقيقية ذات قوة دستورية أو قانونية لإسقاط النظام؟ أم هي رسائل سياسية رمزية وبلاغات شعبية احتجاجية تعلن عن فقدان الثقة في الإدارة السياسية الإخوانية.

 

وتعبير واضح عن انحسار شعبية الإخوان وتآكل شرعية الرئيس في الشارع المصري؟ أم هي انعكاس للشعور بعدم قدرة المعارضة السياسية المصرية ممثلة في جبهة الإنقاذ، على إحداث التغيير المطلوب شعبيا، وإعلان واضح بثقة الشعب في قواته المسلحة، ونوع من الاعتذار للجيش الذي حمى الشعب والثورة، على خلفية الأحداث الدامية المتوالية بين المتظاهرين والشرطة في السويس وبورسعيد والمنصورة والمحلة والإسكندرية، في ظل حالة من التراجع الاقتصادي والانقسام السياسي والارتباك الرئاسي؟

 

هل بهذا الحراك الشعبي سقط الشعار الساقط الذي رفعه البعض في الشهور الستة الأولى للثورة الشعبية، والذي نادى بـ"سقوط العسكر" وبسرعة تسليم السلطة لرئاسة مدنية منتخبة، حينما نجح أعداء الشعب والجيش المصري في شق الصف الوطني، وحاولوا الوقيعة بين الشعب والجيش والهتاف ضد من كانوا يسمونهم بـ"العسكر" بقيادة المشير حسين طنطاوي والفريق أول سامي عنان؟

لقد ظهر المشهد المصري في أجمل صوره الوطنية والشعبية، حين بلغ ذروة وحدته وثوريته وحضاريته وسلميته قبل عامين، في الحادي عشر من فبراير، بإعلان الرئيس السابق حسني مبارك إذعانه لمطالب ملايين الشعب المصري على مدى ثمانية عشر يوما في كل ميادين التحرير في مصر له بالرحيل، وفي مشهد شعبي هادر تحرسه قوات الشعب المسلحة علا صوت الجماهير المحتشدة بهتاف صادق: "الجيش والشعب إيد واحدة"، وفاء لموقف قيادة جيش الشعب في حماية ثورة الشعب.

ومنذ ذلك اليوم التاريخي الذي بدا أنه يوم انتصار شعبي ضد التبعية والاستبداد والفساد، بدأت القوى الصهيو أميركية عملياتها الاستخبارية لاختراق الموجة الثورية، عبر أدواتها الداخلية السياسية والدعائية، لإحداث انقلاب في المشهد بنشر الانقسام والفوضى، لاستدراج الجيش لمواجهة الشعب أو دفع الشعب لمواجهة الجيش، ولإجهاض الثورة الشعبية وإضعاف الجيش المصري، بهدف إبقاء مصر مكبلة ضمن منطقة نفوذها، لتمرير المشروع الشرق أوسطي الاستعماري لإعادة تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ!

وهو ما أشار إليه محللون استراتيجيون عرب وبريطانيون، في ندوة إذاعية عبر "بي بي سي" بأن الجيش المصري بقي هو العقبة الوحيدة التي تقف في وجه المشروع الأميركي للشرق الأوسط الكبير.. وأن أي إضعاف الجيش المصري، كفيل بدخول المنطقة العربية إلى حالة من الانكشاف الكامل.

ولهذا بدا الدعم الأميركي للفوضى في مصر عبر المنظمات الأميركية والمصرية الممولة أميركياً، بالمظاهرات المتوالية ضد قيادة الجيش، من أجل الإطاحة بالقوة العسكرية العربية الباقية، بعد تدمير الجيشين العراقي والليبي، وتقسيم السودان، وبداية تفتيت الجيش السوري.. لذا بقي رأس الجيش المصري هدفا صهيو أميركياً!

ومن هنا، فإن ما يبعث على الأسف حقا، هو ما تعرضت له القوات المسلحة المصرية عموما، وقياداتها خصوصا، من مؤامرات خارجية ومكايدات داخلية، بذرائع مختلفة بعضها مبرر وبعضها مقرر، لشغلها عن مهامها الوطنية الأساسية في حماية أمن الوطن، بمحاولات إغراقها في مواجهات مع شعبها.

بينما هي التي حمت الثورة، فأجبرت رأس النظام على التنحي.. ولقد كان المشير طنطاوي واعيا، مثلما يبدو الفريق أول السيسي واعيا، أن الهدف هو الجيش.. لهذا كان دعم الأميركان لصعود الإخوان مفهوما، للإطاحة بالجيش من المشهد السياسي!

ويبدو أن أقبح ما في مصر الآن يحاول إلغاء أجمل ما في مصر، وأن أسوأ من في مصر يحاولون الآن إقصاء أنبل من في مصر.. لكني أثق أنه لا الأقبح سينجح ولا الأسوأ سيربح.. ولن يسود في مصر سوى الأخلص والأكفأ والأصلح، لأن مصر المحروسة بروحها الملهمة، وبحضارتها العريقة، وبقيمها الخالدة كالحق والعدل والحرية، وكالخير والحب والجمال، لا يمكن أن تقبل بالقبح أو الظلم أو السوء، أو بسيادة ظلام ليلها على نور صباحها.. لأنه في النهاية لن يصح إلا الصحيح