التسامح في مصر... محمد عبيد

التسامح في مصر... محمد عبيد
التسامح في مصر... محمد عبيد

التسامح في مصر... محمد عبيد

الأنباء المتلاحقة من مصر، تحمل على التخوف من تحول الأوضاع المحتقنة في أكثر من مكان، إلى براكين متفجرة، خصوصاً أن المسارات المختلفة لتطوراتها تصب في النهاية في مكان واحد، وتتلخص أسبابها ونتائجها في هشاشة المرحلة التي تمر بها البلاد، وحالة الصمم التي يعيشها السياسيون في النظام والمعارضة .

 

بورسعيد المشتعلة غضباً غير مبرر تخرج عن أي سياق، ويتحول الوضع فيها إلى ما يشبه الغابة، فمراكز الأمن لم تسلم من المحتجين الغاضبين الذين حاولوا بشتى الطرق وأعنفها الرد على أحكام إعدام بحق متهمين دانتهم المحكمة بقتل مصريين في ما يعرف بمأساة استاد بورسعيد، التي راح ضحيتها 74 مصرياً، نتيجة جريمة مدبرة استهدفت المشجعين مع نهاية المباراة .

 

هذا التغوّل على أجهزة الأمن بدأ يجد جذوراً في الحالة المصرية العامة، بعد ثورة 25 يناير ،2011 وإن كان يعدّ حالة شاذة عن الدرب السلمي الذي سلكته الثورة، وانفلاتاً من أي عقال، ودعوة مفتوحة إلى تدمير البلاد وإدخالها في نفق مظلم غير ذي نهاية . وهذا السلوك الذي لا يعبر إطلاقاً عن الحالة الذهنية والثقافية للشعب المصري، يدفع إلى الاعتقاد أن الثورة لم تغير في النظام السياسي وحسب، بل امتدت آثارها لتصل إلى العقلية التي طالما تغنى وأشاد بها كل متابع للشأن المصري .

 

أين التسامح الضارب جذوره في وجدان وذاكرة المصريين ككل، من هؤلاء الذين يأبون إلا أن يحرقوا السفن، ويدمّروا باسم الاحتجاج؟ وأين الثقة التي يؤكدها المصريون بجهازهم القضائي المستقل النزيه، إذا كان رد الفعل على إدانة متهمين تلطخت أيديهم بدماء أبناء شعبهم، على هذه الشاكلة العنيفة؟ أين العقلاء في بورسعيد؟ وأين الحريصون على البلاد واستقرارها، أمام هذا السيل المنفلت الذي يدافع باسم الحق عن هؤلاء؟

 

ما حدث في بورسعيد كان مجزرة وجريمة قتل جماعي يندى لها الجبين، والعدالة يجب أن تكون مطلباً لكل المصريين، وألا تقتصر على ذوي الضحايا . العدالة لا تجزأ ولا تختصر، ولا تقتصر على طرف أو جهة من دون أخرى، لذلك فإن ما يجب التسليم به هنا، أنّ على المعترضين على حكم القضاء أن يردوا عبر القضاء وأجهزته، لا عبر مسلكيات خارجة على كل عرف أو قانون .

 

وسواء كان الأمر “مجرد غضبة” أو ولادة حالة جديدة من العصبية المناطقية، والأخيرة خطرة جداً، فإن مجرد النظر إلى ما تتحول إليه الأوضاع، يغرق المتابع في مخاوف من تحول عام في الساحة المصرية إلى العنف، فمن جهة هذا العنف في بورسعيد، ومن جهة ثانية، ما تدعوه بعض قوى المعارضة عصياناً مدنياً، ومن جهة ثالثة ما تشهده البلاد من ظهور لميليشيات ملثمة، مثل “بلاك بلوك”، وقد تطول القائمة أكثر .

 

مسؤولية ما يحدث يتحملها الجميع، بالدرجة الأولى السلطات الحاكمة، وبعدها قوى المعارضة، ومن بعدهما كل مصري غيور واعٍ يخشى انجراف بلاده في أتون الفوضى وتدمير الذات، وإن لم يلتق هؤلاء على طاولة الوطن الواحد، لا وطن الحزب أو الجماعة، فإن الآتي سيكون مشؤوماً .