عندما بكى راسم جابر على ذراعي.. بدأت الحكاية

عندما بكى راسم جابر على ذراعي.. بدأت الحكاية
عندما بكى راسم جابر على ذراعي.. بدأت الحكاية

عندما بكى راسم جابر على ذراعي.. بدأت الحكاية

صورة رسمها: أحمد خليل المشهراوي:

 

لم أكن أعلم أن الجبال الشامخة ربما ستتحول يوماً إلى سحابة رقيقة تتساقط منها أمطار حزينة.. حقاً لم أعلم أن رجلاً بشموخ راسم جابر، كانت تهابه ملاعب طائرة القطاع من شماله حتى جنوب القطاع، بل حتى ملاعب الضفة الغربية، وكل مدينة وقرية وصل لها سيط الغول راسم سيحيله ألم الفراق إلى قطعة من الحزن..

 بهذا القلب المنكسر الحزين على فراق نجله الأكبر رمزي، الذي افتقده قبل نحو شهرين، بدأ أمام ناظري.. لم أكن أعلم لأنني لم أذق مرارة فراق الضنى، فقدت والدي في 13-9-1998، ولا زال الألم يلف قلبي.. لكن ألم فراق الابن الذي أنجبته أضلاعك، ربما يكون أكثر مرارة – جنبنا الله جميعاً هذا الموقف.

الأب راسم جابر 

راسم جابر، الذي عرفته الملاعب وشبكة الطائرة، مذ كان فتى يافعاً بمدرسة الفالوجة الثانوية في مباريات مشتركة أمام مدرسة فلسطين على ملعب اليرموك وسط آلاف من المتابعين، راسم بضرباته الساحقة، الذي تحول فيما بعد إلى أبرز نجوم فلسطين للعبة.. أعاده ألم الفراق إلى أبٍ باكٍ مجرد سماع اسم عزيز قلبه.

واليوم الأربعاء 6 من آذار مارس، بعد أقل من شهرين على فراق رمزي أستاذ التربية الرياضية بجامعة الأقصى، أجهش الأب بالبكاء على ذراعي.. يا لله، لقد أبصرت في الجبال أباً تقطع العمر نواحاً وتسائل.. لم يكن بكاءً بل نواحاً.


الفقدي رمزي راسم جابر

بدأت القصة عندما كنت أسير في حوالي الساعة الثانية والنصف ظهراً، أسير بهرولة كعادة مشي، لضحت على عجل وجه ألفته، ألفته شامخاً أنفه، رافعاً رأسه.. عدت للخلف أتفحص صاحب الوجه، إنه راسم جابر الذي لا يحتاج للألقاب ولا الكنى، فهو اسم أغنى عن التعريف لرجل يمتاز بطوله وعنفوانه.. لقد نال الهم من وجه راسم، وكأن الشهرين الأصعبين على قلبه، تحولا لأكثر من عقدين.

.. تقدمت إليه صافحته، قال لي: أهلا كيف حالك بصوت أشج حزين.. قبلته أربعاً وهو جالس، ربما لم يستطع قاهر الملاعب أن تحمله ساقيه.. قلت له  صبرك الله وأثابك الله يا أبي.. عندها لم أكن أتوقع ما حدث، ليتني لم أذكره.. أخذ يبكي والدموع تتساقط من عينيه غزيرة.. اقتربت منه أكثر، قلت يا أبتاه، اصبر ولك الجنة، أنت رجل مؤمن، والله عز وجل يضع الابتلاء على الصالحين والأتقياء، والرجل ساهم في البكاء والعويل.. لمت نفسي على موقفي غير المقصود.. لكن رجلاً كراسم، لم تغب صورة رمزي عن مقلتيه التي ذاد عنها كل مسميات النجومية وبريق الكؤوس والميداليات، التي حصدها طوال أكثر من 40 عاماً.



ربت على كتفه، أخذت أخفف عنه، غير أنه ألم يختزن في الضلوع، لا تملك كلماتي أن تمنع بكاء أب فقد أغلى ما ينظر إليه الإنسان.. كل ذلك مع وصول نجله الأخر الذي كان مهمة قبل أن يرافقه.

تركته، والدموع تقفز من عيني، والقلب يعتصرني، وأنا أردد قائلاً: كان الله في عونه.. غير أن راسم الذي رسم الخطوط الأولى لألعاب ككرة الطائرة والسلة، رسم حدود الوطن بخطوط الشيد التي تحيط الملاعب في عنفوان شبابه، يجب أن لا نتركه شيخاً كبيراً، وأن نوفي الرجل حقه، يجب أن يشعر أننا كلنا أبناؤه، يجب أن نعطي الرجل موقعه، أن لا نتركه يفتك به الحزن، وينال منه ألم الفراق، فأذرعنا جميعاً بحاجة لأن تكون سنداً لرجل بحجم راسم من المسؤول حتى المشجع في الملاعب، لن نعيد لشفتيه البسمة، ولكن تخفيف وطأة الفراق، وتقديم المواساة.. إنا لله وإنا إليه راجعون..